ثم قال رحمه الله : ودلت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسارة ..
فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين ، وما أعظم عناء الجازعين .. انتهى كلامه رحمه الله ..
عباد الله .. حتى تتحقق مقاصدنا وآمالنا فلا بدَّ من الصبر ..
وكما قيل من صبر ظفر..فلولا الصبر لما حصد الزرَّاع بذرة ، ولما جنى الفارس ثمرة ، وكل ناجح لم ينجح إلاَّ بصبّره في تحقيق نجاحه فلا عوائق ولا موانع تقف أمام الصابرين ..
قال أبو يعلى الموصلي :
إني رأيت وفي الأيام تجربةٌ
وقلَّ من جدّ في أمر يحاوله
للصبر عاقبةٌ محمودة الأثر
واصطحب الصبر إلاَّ فاز بالظفر
قد يقعون لكنهم سرعان ما ينهضون..قد يفشلون مرة ومرة لكن الصابرين لا ييأسون ..
لا ييأسنَّ وإن طالت مطالبةٌ
إذا استنعت بصبرٍ أن ترى فرجاً
أقول هذا من أراد أمر من أمور الدنيا لا بدَّ أن يصبر ويصابر .. فكيف من أراد الفلاح بالآخرة !!.. كيف من أراد الفلاح بالآخرة !.. كيف من أراد حور وقصور وحبور! فطلَّاب الجنَّات أولى بالصبر والتحمّل ..كيف وقد حُمِّلوا الأمانة التي لتنوء بحملها السماوات والأرض والجبال ..
عباد الله.. إنَّ أهل الإيمان أشدّ تعرضاً للأذى والمحن والابتلاء في أموالهم وأنفسهم وكل عزيز لديهم لأنهم ينشدون الجنة وهي سلعة الله الغالية ..فلا بدَّ لها من ثمن ولا مفرَّ من الثمن ..إنَّ الله اشترى وهم.. وهم باعوا ..
ولقد دفع الثمن أهل الحق على مرّ العصور، فلا بدَّ أن يدفعه من سار على طريقهم ..بسم الله الرحمن الرحيم : الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُوا آَمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة اشتدَّ عليه البلاء وإن كان في دينه رقة خُفف عنه البلاء و لا يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)
عباد الله .. لا بدَّ من الابتلاء .. لا بدَّ من الابتلاء لأهل الإيمان ، ولا بدَّ ..لا بدَّ حينها من الصبر والثقة واليقين برب العالمين ، لكن لماذا الابتلاء !!
قال أهل العلم لأمور عدة أولها تطهير الصفوف كما قال الله مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلِيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِبِ .
ومن حكم البلاء أيضاً تربية المؤمنين ففي الابتلاء نضج وتقوية للصفوف و صقل للمعادن كما قال الله وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنوُا وَ يَمْحَقَ الكَافِرِينَ ، وكما قال الله وَ لِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِصَ مَا فِي قُلُوبِكُم وَ اللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .
ومن حكم البلاء أيضاً رفعة الدرجات ومضاعفة الحسنات وتكفير للسيئات فيخرجون من الابتلاء كيوم ولدتهم أمهاتهم ..
فالذنوب عباد الله لازمة للبشر فمن رحمته تعالى ابتلاهم وتعاهدهم بالبلاء من حين إلى حين لتتحات عنهم خطاياهم بالصبر كما قال صلى الله عليه وسلم :( فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )..
وإن كان الصبر ضرورة لأهل الإيمان فهو أكثر وأشد ضرورة للرسل والأنبياء ومن سار على طريقهم من الأتباع الصادقين . قال الله لنبيه فَاْصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ .
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أشد هؤلاء ابتلاءً . قال بأبي هو وأمي : ( لقد أُوذيت في الله وما يُؤذى أحد ، ولقد أُخفت في الله وما يُخاف أحد ) .. حوصر في الشعب .. عُذب أصحابه .. مات أبناءه .. طعن في شرفه وعرضه .. مؤامرات لاغتياله .. أُخرج من دياره ..ومع هذا يردد ويقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) .. حوصر في الشعب .عُذب أصحابه .. مات أبناءه .. طعن في شرفه وعرضه .. مؤامرات لاغتياله .. أخرج من دياره.. ومع هذا يردد ويقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) ..
ثم صبر الأتباع الصادقين من بعده كما قال الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ، وقال الله عن أتباع الأنبياء وَ كَأَيَّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ مَا ضَعُفُواْ وَ مَا اسْتِكَانُواْ وَ اللهُ يُحِبُّ من ؟! وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ اللهم اجعلنا منهم ..
عباد الله .. بعث عمر برسالة إلى أبي موسى قال فيها : اعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر .. الصبر في المصيبات حسن لكن الصبر عما حرّم الله أحسن .. الصبر في المصيبات حسن لكن الصبر عما حرّم الله أحسن ..