لا تبرح مكانكَ ولو خذلتكَ المنابر، ولو صمتتِ المآذن، ولو تآمرتِ العواصم.
إنْ خفتتَ الأصواتُ فلتصدحْ أنتَ، وإنْ تراجعتِ الخطى فلتثبتْ أنتَ، وإنْ تخلَّى الجميعُ فكن أنتَ الشاهدَ الأمين.
اكتبْ عن غزة كأنَّكَ آخرُ من تبقى ليحكيَ حكايتها، كأنَّكَ الكاتبُ الوحيدُ الذي أوكلتْ إليه مهمةُ تدوينِ بطولاتِها وآلامِها، كأنَّكَ المؤرِّخُ الذي سيحملُ وزرَ نسيانِها إنْ هو نسيَ أو سهى.
اكتبْ عن أطفالٍ لم يعرفوا من الطفولةِ سوى القصفِ والرعبِ، عن بيوتٍ تحوَّلتْ إلى ركامٍ في لحظةٍ، عن أحلامٍ دُفنتْ تحتَ الأنقاضِ، عن أمهاتٍ ثكالى فقدنَ فلذاتِ أكبادهنَّ، عن آباءٍ كسرتْ ظهورهم مشاهدُ الدمارِ والفقدِ.
اكتبْ عن صمودِ شعبٍ يُحاصرُ ويُقصفُ ويُهجَّرُ، ولكنهُ لا ينكسرُ ولا يستسلمُ، شعبٌ يُعلِّمُ العالمَ معنى العزةِ والكرامةِ والصبرِ.
اكتب عن غزةَ التي تُقاومُ ببسالةٍ، تُدافعُ عن أرضِها وعرضِها، تُسطِّرُ بدمائِها أروعَ ملاحمِ البطولةِ والفداءِ.
اكتبْ عن غزةَ التي تنادي ضمائرَ العالمِ، تستصرخُ الإنسانيةَ، تُطالبُ بالعدلِ والإنصافِ، تُناشدُ رفعَ الظلمِ والحصارِ.
اُبكِ غزةَ كأنَّ دموعكَ هي الماءُ الذي يُروي أرضَها، كأنَّ أنينكَ هو الصوتُ الذي يُسمعُ العالمَ صراخَها، كأنَّ كلماتكَ هي السلاحُ الذي تُقاتلُ بهِ عن وجودِها.
اُرسمْ صورةً عن غزةَ لا تمحوها الأيامُ، صورةً تُوقظُ الضمائرَ، تُحرِّكُ القلوبَ، تُغيِّرُ الواقعَ.
أرِ اللهَ عُذركَ في كلِّ حرفٍ تكتبهُ، في كلِّ كلمةٍ تنطقُ بها، في كلِّ موقفٍ تتخذهُ، فإنَّ كلَّ إنسانٍ لا يبذلُ ما بوسعهِ لنصرةِ غزةَ فقد خذلها، وكلُّ قلمٍ لا يكتبُ عن مأساتها فقد خانها✍️♡
-السُميعي