الحمد لله وحده.
اجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم الفقر والغنى،
فقام بحق عبادة الصبر في حال الفقر، وبحق عبادة الشكر في حال الغنى، أتم قيام.
ولذلك فهو أعبد الناس، وهو خير من أغنياء الأنبياء، وخير من فقراء الأنبياء، صلى الله عليهم جميعا وسلم.
فمن أحوال الغنى وأسبابه: الخُمس من الغنائم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفقه، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقته في النفقة وما يحبه من عدم كنز المال ولو كان كثيرا، فيحب أن ينفقه كله تقربا لله.
وذلك في أحاديث مشهورة ثابتة، كقوله صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد: (ما أحب أنه يحوَّل لي ذهبا، يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا دينارا أرصده لدين)، ونحو ذلك.
كذلك قد ثبت في صحيح مسلم أنه خرج من بيته جائعا، لم يخرجه إلا شدة الجوع، وحلف على ذلك.
فلقي أبا بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة)؟
قالا: الجوع يا رسول الله!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما)!
ثم ذهب بهما لبعض الصحابة فاستضافهم وأطعمهم تمرا ورطبا ولحما، فلما شبعوا وروُوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر:
(والذي نفسي بيده، لتُسألُنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة!! أخرَجَكم من بيوتكم الجوعُ، ثمَّ لم ترجِعوا حتى أصابكم هذا النعيم)!!
ومات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة.
فهذه الأحاديث ونحوها كثير أيضا، تبين أحوال الفقر والصبر التي أتت عليه صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ونفسي.
فالمقصود أنه قد جُمع له الابتلاءان، فراوح بينهما في مدة حياته، وقام بحق كل، وبذلك كملت أحواله وعبادته، صلى الله عليه وسلم، فكان هذا من أوجه تفضيله على من لزمه الغنى من الأنبياء ومن لزمه الفقر منهم.
وهذا سائر على قاعدة التفضيل بين الأشياء والأشخاص والأوقات.
والله أعلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.