في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ مَن كان في قلْبِه مِثقالُ ذرَّةٍ مِن إيمانٍ؛ فالمُسلمُ العاصي إذا مات ولم يَتُبْ مِن مَعصيتِه فأمْرُه إلى اللهِ؛ إنْ شاء عَفا عنه، وإنْ شاء عذَّبه، لكنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ بحالٍ، فيُخرِجُ اللهُ مِن النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وكان في قلْبِه وَزنُ حَبَّةٍ مِن شَعيرٍ أو مِن بُرٍّ، وهو القمحُ، أو حتَّى ذرَّةٍ مِن خَيرٍ، أي: مِن إيمانٍ، كما جاء مُفسَّرًا في رِواياتٍ أُخرى؛ لأنَّ الخيرَ في الحقيقةِ هو ما يُقرِّبُ العبدَ مِن اللهِ تعالى، وما ذاك إلَّا الإيمانُ. والذَّرَّةُ: واحدةُ الذَّرِّ، وهو: صِغارُ النَّملِ، أو هو الهَباءُ الذي يَظهَرُ في شُعاعِ الشَّمسِ مِثلَ رُؤوسِ الإبَرِ، وقدَّمَ الشَّعيرةَ على البُرَّةِ؛ لأنَّها أكبُر جِرْمًا منها، ويَقرُبُ بعضُها مِن بَعضٍ، وأخَّر الذَّرَّة لصِغَرِها، وهذا مِن باب التَّرقِّي في الحُكمِ، وإنْ كان مِن بابِ التَّنزُّلِ في الصُّوَرِ. والحديثُ يدُلُّ على أنَّ مُجرَّدَ قولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مِن دونِ أنْ يقومَ في القلبِ شَيءٌ مِن الإيمانِ؛ لا ينفَعُ صاحبَه، ولا يُخرِجُه مِن النَّارِ.وفيه: دَلالةٌ واضحةٌ على تَفاوُتِ الإيمانِ وتَفاضُلِه، وأنَّ أهلَ الكَبائرِ مِن المؤمنينَ يَدخُلُ مَن يَدخُلُ منهم النَّارَ، لكنَّهم لا يُخلَّدون فيها