الحقيقةُ هي أنَّ الفراغَ يُضخّمُ غالبية المشاعر، يُضخّمُ العاطفة، يُضخّمُ التعب، يُضخّمُ الألم، الفراغُ هو العدو الحقيقي للإنسان، وأكاد أثق أن الغارق بانشغالاتہ يكون متزناً بانفعالاته، لأنہ ببساطةٍ لا يملك الوقتَ لينجرفَ تجاہ شعورٍ أحمق!
ليس من عادتي متابعة أي "ترند"، لأني أعرفُ أنَّ "الترندات" في الغالب كفقاعات الصَّابون، فارغة من الداخل، وسرعان ما تتلاشى! ولكن من باب الفضول ليس إلا شاهدتُ فيلم حياة الماعز! وقد خرجتُ منہ بعدة انطباعات:
1. لستُ ناقداً سينمائياً، ولكني أعرفُ كما تعرفون جميعاً أن "بوليود" قائمة بالأساس على المبالغات، والمغالطات المنطقيَّة! فيها يمشي البطل على الماء ويطير في الهواء، ويمسكُ الرصاص الذي يُطلق عليہ بأسنانہ ثم يُعيد إطلاقہ من فمہ بقوة دفعٍ أقوى مما هي في المسدس الحقيقي! لهذا فإنَّ العاقل لا يأخذ شيئاً تقدمہ بوليود بالتسليم كأنما يتلقى وحياً!
2. إطلاق اسم حياة الماعز على الفيلم ليست بريئة برأيي، وإنما الهدف منها إشارة تهكميّة إلى أن المكان الذي تدور فيہ قصة الفيلم، ومحاولة الإيحاء إلى الرّعي، المرتبط بأذهان غالبية النّاس بالبعد عن الحضارة! وقد نسيَ الهنود أنہ في حين يرعى الناس في بلادنا الأغنام ويحلبونها، فهم في المقابل يعبدون الأبقار والفئران!
3. قد تكون القصة حدثتْ بالفعل، ولنُسلِّمْ جدلاً أنها نُقلت دون تضخيم ولمسات بوليوديّة، مع أنَّ هذا مستبعد! فهل يوجد بلد في العالم لا يُساء فيہ إلى العمال؟! في كل الدُّنيا يسيءُ بعض أرباب العمل إلى عمالهم وبعض هؤلاء العمال من أبناء وطنهم وجلدتهم! طبعاً هذا ليس تبريراً للإساءة، وبالفعل قوانين العمل بحاجة إلى مراجعة في الكثير من بلدان الأرض وليس في السعودية وحدها، ولكن التعميم لغة مقيتة، ومحاولة وصم شعب كامل بالعنصرية لأن بعض أفرادہ قاموا بعملٍ عنصريّ هو تجنٍّ على بلد كامل! لا يوجد شعب إلا وفيہ الطيب والخبيث، والمحسن والمسيء، وحمل الناس في سلة واحدة خبثٌ مقصود!
4. أتفهم جيّداً شعور أهلنا في السعودية تجاہ هذا العمل، وتجاہ الحملة التي رافقتہ، حيث اتخذها البعض مطية للتشفي وتسوية الحسابات! الشعور بالظلم والتّجني وقلب الحقائق مرٌّ، وهذا ما تُذيقنا إياہ قناة العربيّة صبح مساء وهي تتبنى رواية الاحتلال، فتصف مقاومتنا بالإرهاب ومجاهدينا بالتطرف والتبعيّة، حتى أننا صرنا نرى يدعوت أحرانوت الصهيونيّة أكثر إنصافاً لنا من قناة العربيّة، ومذيعي القناة الثانيّة عشرة الإسرائليّة أكثر مهنيّة من مذيعي قناة العربيّة! مقاومتنا لم تُسىء إلى أي بلدٍ عربيٍّ، لا إلى السعودية ولا إلى غيرها! ولم تحمل السلاح يوماً في وجہ أحد غير وجہ هذا العدو الذي احتل أرضنا! ونحن واللہ بغالبيتنا، لأن الحمقى يوجد منهم في كل الشعوب، نتمنى الخير والأمن لكل الدول، ولكننا في المقابل نأمل أنہ إذا لم نُساند أن لا نُعادى! إنَّ التي تُقاتل هي مقاومتكم أنتم أيضاً، تُقاتل عن مسرى نبيكم، ومهبط أفئدتكم! وهذہ الدماء التي تُسفك هي دماء أهلكم، والأعراض التي تُستباح هي أعراضكم، ونحن حين خُذلنا من الجميع عزّينا أنفسنا بالظرف والواقع، والمعادلات والحسابات، ولكن أن يُنهش لحمنا على الهواء مباشرة وليس في فيلم فهذا طعمہ مرٌّ جداً!
"لا باركَ اللهُ في العلمِ الذي يُكبِّلُ لسانكَ عن النطقِ بالحقِّ، ولا خيرَ في ثقافةٍ تعجزُ معها على اتِّخاذِ موقفٍ حُرٍّ، ولا فائدة من أخلاقٍ لا تدفعكَ إلى مواطنِ الشَّرفِ، ولا جدوى من فصاحةٍ تستأثرُ بها عن نصرةِ المظلوم!"
أفتقد الأوقات التي كان فيها صَاحب الكرة يقرر كل شيء ، فلا قرار لنا سوى انتظار ما يُريد ، أفتقد ذلك الموقف الصعب ، انتظار أن يتم اختياري في طلبة اللاعبين ، لأني نحيف و ضعيف البنية ، و عندما يتم اختياري ، سعادة تَصل القَمر ، أفتقد القفز عن سور المدرسة و السقوط بألم على الأرض ، أفتقد ذلك التدخل القاسي و الندبات التي ما زالت لدي في رُكبتي ، كيف كنت أُقنع نفسي النهوض مرة أخرى ، كم كُنّا أقوياء حقاً ، أفتقد اللعب بلا حدود زمنية في تلك المباريات التي لم تنته إلا في الظلام ، و تُودع الكُرة مرغماً ، أفتقد عدم الشعور بالتعب و اللعب حتى تتدمر قدماي ، أفتقد تلك المُشاجرات مع فِرق الحارات الأخرى ، بعد تسجيل هدف لم يُحتسب ، أفتقد : من يُسجّل هدف يفوز ، أفتقد أصدقائي ، جميعاً ، العنيد منهم ، المجنون ، الهادئ اللطيف ، العصبي و الذي كان لا يتقبّل الهزيمة ، أفتقد أصدقائي ، أولئك الذين تفرقوا على طول الطريق ، و أولئك الذين أخذهم مني القدر مبكراً ،
أفتقد أن أكون حالماً صغيراً يركض خلف كرة مُهترئة ، باحثاً عن السعادة ، مُلاصقاً بها " 💙