ولبسطه قليلا، فما يظهر مثلا من عدل في بعض القوانين الدولية التي تستنكر جريمة الإعدام، قد يراه البعض الآخر ظلماً وتشجيعاً للجُرم، وما يراه البعض حرية تعبير في إطلاق العناء لكل شيء، يراه آخرون قمة الاستهتار بالحرية أولا والأمن المُجتمعي ثانياً، لذلك يصعب بل يستحيل أن يصل الإنسان إلى مبادئ عامة وشمولية، لاختلاف المشارب والفلسفات والظروف المعيشة، وأستغرب حقيقة من الأوربيين كيف يفرضون فلسفتهم ومبادئهم قهرا وعنوة على باقي الشعوب والحضارات.
-خاتمة لابد منها:
قد يُعقب البعض قائلا وما بالكم تُحاولون فرض مبادئ الإسلام قهراً.
وجوابه أن الإسلام لم يُجبر أحداً على الدخول فيه قهراً والآيات في ذلك كثيرة وواضحة، الأمر الثاني وإن كان مُسَبقا على الأول؛ أن الإسلام وحي رباني إلهي، وليس نتاجاً تاريخياً أو اجتماعياً، وهذه لوحدها كفيلة بالرد الحاسم على هذه الادعاءات. ويُضاف إلى ذلك ومن باب الاستطراد فقط أن الإسلام راع الخصوصيات الأخلاقية للشعوب والحضارات، حتى جعلها المذهب الفقهي المالكي من مصادر التشريع الإسلامي "تحكيم العُرف". غير أن هذا الأمر يحتاج هو الآخر إلى تفصيل، وهو ضرورة التفريق بين الأخلاق كمبادئ والأخلاق كتطبيقات عملية، فأما الأولى فهي مبادئ إنسانية بل هي في الأساس فطرية، اتفق عليها الناس بالفطرة، وهذه من أقوى الحُجج التي تُواجه الفلسفات الإلحادية، التي لم تستطع حتى الآن تجاوزها أو ردها، لأنها ببساطة طبيعة الإنسان وخلقه، فالإنسان مجبول على حب الخير والعدل والصدق والشجاعة والأمانة، ومجبول على تقبيح أضدادها، منذ غابر العصور حتى زمننا الحاضر، وأما في الجانب المُعاملاتي "الأخلاق العملية" أي تنزيل هذه المبادئ الفطرية على أرض الواقع، فهُنا يقع الخلاف الذي قد يصل إلى حد التضاد، وقد جاء الوحي ليفصل في بعض ما ينفع الإنسان منها وجعله من الواجبات والقربات، وترك باقي الأمور لاجتهاد الناس.
فهذا بعُجالة بعض ما أحببت التنبيه عليه، خصوصاً بعد سماع الحديث المتكرر من العلمانيين الذي يدعو إلى ضرورة تجاوز الوحي والإسلام، والأخذ بالمبادئ الكونية الغربية كما هي من غير تأويل ولا تحريف ولا تبديل.