نلتقي الفجر دائماً، أنا و أبي .. غالباً ما تجد أصوات الأذان طريقها لكلينا فقط في المنزل لتجدنا مستيقظين، وحدنا .. يستيقظ هو مبكراً فيتمكن من اللحاق بالصلاة، و أنا لا أنام بالأساس فأفعل ذات الشيء، لم يكن النوم جزئي المفضل من الليل، أو الشيء الذي يحدث في معظمه على كل حال.. لطالما كان غياب الشمس يعني الكثير بالنسبة لي، لم يتمحور ضوء القمر حول النوم بالنسبة لي، أي غبي سيغمض عينيه و لوحة كونية تُرسم من فوقه بعرض السماء.. لذا كنتُ أحد المسنين ببريطانيا في منتصف التسعينات و كانت الكرة البيضاء في السماء هي القطعة الفنية .. وفناء منزلي هو المتحف، لذا كل ليلة، أكون على موعد معها، أختار ثيابي بعناية، أتعطر و يتبقى غياب الشمس هو القطعة الناقصة لإنطلاق أمسيتي، يحدث ذلك فأنطلق لموعدي العاطفي.
الليل مليء، مليء وصاخب جداً رغم ربط معظمكم له بالسكينة والهدوء، برأيي أي شخص يظن أن الليل للنوم أخرق، الليل لكل شيء عدا النوم .. ففي كل مساء تتاح لك الفرصة لتصنع دُنياك الخاصة، لتصمم كون ينتمي لك وتُسقِطَ منه كل مسببات القلق، تخيل أن تحيى وحدك في العالم بلا بشر آخر يضايق سِعتي لمحيط نصف مليون ميل بكل الإتجاهات، أراهنك أن رئتيك ستتسعان، كوكب بأكمله .. يخصك وحدك، لتطالع القمر نصف الليل وتسجد باكياً في النصف الآخر، الليل نعمة يغفل عنها تقريباً كل شخص، لا أصوات بالجوار، تسمع أفكارك بمكبرات صوت ليسهل عليك تصفيتها، تهندس يومك الماضي و تُجَنِّب الأخطاء لتتجنبها في المستقبل، تخطط يومك القادم بتفاصيله.. تلعب "أم الحفر" مع مشاكلك و كل شيء يزعجك لتقوم بتسوية المائل منها و تقوّم المعوج، تمارس ال"لاشيء" لخمس دقائق فقط، لذلك أثر المورفين لو تعلم، إرخِ أطرافك، تنفّس بانتظام، اجلس معتدلاً، أفرغ يديك من أي شيء وانظر للسماء، فقط انظر .. تذكر أن جلوسك هناك بحد ذاته مكتوب بصحيفتك يوم ميلادك، فما بالك بمصائب العالم المنهمرة على رأسك، تسامح مع فكرة أن الهلاك حق، والتعاسة، والبؤس و الحزن والأرق والضعف والبكاء حق .. و كُن ممتناً لتجربتهن جميعاً، انظر للجانب المشرق أنت تعلم كيفية الشعور بكل واحدة منهن و تستطيع وصفه لأبنائك و أبنائهم الآن، من المخطوط أن تفشل، قبل أن تنجح، لن تدرك أبداً مدى جمال ابتسامتك، وكم أنك غبي لتقلق حول أشخاص أدنى من أن يطالعوا ظفر قدمك، في الليل ستتعلم تقدير نفسك، هذا شيء لن تستطيع فعله والشمس تطالع دبر عنقك طوال النهار .. الله يعلم، الله أرحم و هذا كافٍ، البشر ليسوا غاية نهايتك، لست مضطراً لإيضاح شيء لأحد، الله مطلع على دواخلك فسلّم و لذلك و ارتح واكتفِ بهذه الفكرة، ما هو لك سيأتي، وما تركك لم يكن يوماً لك.. انت بأعين الله فلما القلق؟ .. أدر حياتك بأسلوبك استناداً على السابق، عِش كل ثانية منها، لا تنم كثيراً .. لستَ قطة، و إن فعلت فاستيقظ باكراً، حينها فقط سترى الملائكة، كفاك تشبعاً من بني آدم، ألست متحمساً لترى بني النور؟.
هذا و ألف شعور وفكرة أخرى ستدركهم في الثالثة فجراً، و لن تحضر إحدى هذه الأفكار لأحلامك أبداً، النوم شيء مبالغ في تقديره، ما كنتُ لأعلم أو لأشعر بكل هذا لولا استيقاظي البارحة طول الليل أطالع القمر.. لم أنم قط، و استيقظ هو باكراً .. نلتقي الفجر دائماً، أنا و أبي.