كما يقول: [ليسَ المِسْكِينُ الذي يَطُوفُ علَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ، والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، ولَكِنِ المِسْكِينُ الذي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، ولَا يُفْطَنُ به، فيُتَصَدَّقُ عليه، ولَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ]، وفي هذا الحديث يُبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المسكين المُستحق للصدقة والزكاة ليس هو من يسأل الناس ويرده ويكفيه ما يناله من اللقمة أو اللقمتين، وإنما المسكين كامل المسكنة هو من لا يجد ما يكفي حاجته بأكملها؛ فقد يكون عنده مالٌ لكنه لا يكفيه، ويتعفف عن المسألة، ويمنعه الحياء أن يُخبر الناس بحاله، ولا يسأل الناس إلحافاً؛ باللجاج في المسألة والإلحاح فيها.
ونُسب إلى حكيمٍ -قيل إنه سيدنا عليّ رضي الله عنه- قوله: "والله والله مرتين، لَحفرُ بئرين بإبرتين، وكنسُ أرض الحجاز في يوم عاصفٍ بريشتين، وحَملُ ثورين باليدين، ونزعُ طودين شامخين، وغسلُ عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، ونقلُ بحرين زاخرين بمنخلين، أهونُ عليّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء ديْن، ولا وقوفي على بابٍ يضيع فيه ماء العين".
ويُقال إن (عزة النفس) هى الارتفاع عن مواضع الإهانة؛ فعزيز النفس لا يسمح لأحدٍ أن يُريق ماء وجهه ليبقى موفور الكرامة، مرتاح الضمير، مرفوع الرأس، شامخاً، مُتحرّراً من الذُل.
يقول العارفون: إن أرقى أنواع (عزة النفس) مع الناس أن تمثّل دور المُكتفي من كلّ شيءٍ وأنت بأمسِّ الحاجةِ لكل شيءٍ، وأن لا تطلب الشيء مرتين، ولا تطرق باباً أُغلِق في وجهك يوماً. أما مع الله سبحانه وتعالى فإن الأمر يختلف تماماً حتى يصل إلى العكس؛ فتكون قمة (عزة النفس) في منتهى التذلل لله عزَّ وجلَّ؛ إذ لا تكتمل عبودية المسلم إلا بكمال الذُل والخضوع والانكسار والانقياد، مع كمال المحبة لله تعالى، ويكون الإلحاف في الدُعاء هنا مطلوباً وممدوحاً وليس مستنكراً ولا مذموماً.
وعن (عزة النفس) قال الشاعر:
أَرَى الناسَ مَنْ داناهُمُ هانَ عِنْدَهُم وَمَنْ أكرَمَتْهُ عِزَةُ النَفْسِ أُكْرِما
وقال آخر:
اقْنَعْ وَلا تَطْمَعْ فَإنَّ الفَتى كَمالُهُ في عِزَةِ النَفْسِ
وَإنَما يَنْقُصُ بَدْرُ الدُجى لِأخْذِهِ الضَوْءَ مِنَ الشَمْسِ
وقال ثالث:
يا عِزَةَ النَفْسِ كوني في العُلا قَمَرَاً
فَالْعَيْشُ دونَكِ مِثْلُ الغُصْنِ إنْ مالا
ما قيمَةُ المَرْءِ إنْ ضاعَتْ كَرامَتُهُ
فَضْلُ الكَرامَةِ يَعْلو الجاهَ وَالْمالا
أحبتي.. قال أحد الصالحين: هل فَكَّر كلٌ منا أن يبحث عن هؤلاء الذين تعلو وجوههم ابتسامة الرضا بما قسم الله لهم في الحياة الدنيا، غير ناقمين إن قتر عليهم الرزق، تملأ صدورَهم العفةُ ونفوسَهم الكرامةُ والكبرياءُ لدرجةٍ قد تبدو للآخرين غنيً؟ هؤلاء الذين يعلمون ويؤمنون بأن الغني الحقيقي هو غني النفس، وليس المال الذي عادةً ما يكون مآله إلي زوال. إن ملاحظة أحوال المتعفِّفين لمعرفة حاجتهم وسدِّ فاقتهم شأنٌ جليلٌ، ثوابُه جزيلٌ، ولا يفطَنُ إليه إلا موفَّقٌ فطنٌ يُحس بالمحتاج وإن لم ينطِق لسانُه.
ومَن اضطُرَّ فينا إلى أن يسأل الناس فَلَهُ أن يسألَ وعليه أن يُجمل في الطلب؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها]، ويكون طلبه دون إلحاحٍ، وبغير تذللٍ أو مسكنةٍ، أو إهدارٍ للكرامة، إنما يطلب بعزة نفسٍ، واثقاً في أن المُعطي والمانع هو الله سُبحانه وتعالى، وما الشخص المطلوب منه إلا وسيلةٌ لإيصال الذي كُتب لنا؛ فكما يُقال: "اطلُبُوا الحوائِجَ بِعِزَّةِ الأنُفُسِ، فإِنَّ الأمورَ تَجْرِي بالمقادِيرِ".
اللهم اجعلنا أعز الناس إلى خَلْقك، أذل الناس إليك سُبحانك، وأنعم علينا بما يُعيننا على أن نكفي المحتاجين المتعففين ذُل السؤال، واغننا بفضلك عن الاحتياج إلى غيرك، والطلب من سواك.
┓━━
🌿🌹🌿 ━━┏
نلتقي على خيرٍ
الجمعة القادمة
في خاطرةٍ جديدةٍ
إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا
*حق إعادة النشر للجميع*
*مع التكرم بذكر المصدر*
┓━━ ≧◔◡◔≦ ━━┏
*تابعونا:*
صفحتنا على "فيس بوك"
https://bit.ly/3jZqXRw مدونة "خواطر"
https://bit.ly/2BlFztM ومضات إيمانية
https://bit.ly/2XJNbzaالسلاسل الدعوية السابقة
https://bit.ly/2Yk5Q4J قناتنا: "قطوف إسلامية"
https://bit.ly/2NgcSBmمجموعة "صحة الحديث"
https://bit.ly/3IYxbR0 مجموعة "تفسير آية"
https://bit.ly/478KCXZ ملصقات الوليلي
https://bit.ly/3GgbLga مواقيت الصلاة بالقاهرة
https://bit.ly/3PqkLngحديث نبوي شريف يومياً
https://bit.ly/3QAczSY