"دفعة ضائعة: بين الحلم والفقد"
في لحظات كهذه، يصبح الحزن أكثر من مجرد شعور فردي، بل هو حالة جماعية تسكننا جميعًا. وكأن قلبنا أصبح مرتعًا للألم، حيث يعصرنا جميعًا في كل اتجاه وكل خطوة.
فقدنا زميلين من خيرة زملائنا في السنة الأخيرة لنا كأطباء، وكان هذا الفقد ثقيلًا كألم مشترك بيننا جميعًا.
لم يكن فقداننا شخصًا واحدًا فقط، بل كان فقدًا لجزء من روحنا، جزء من الحلم الذي بنيناه معًا في هذا الطريق الصعب، طريق الطب. دفعتنا، التي كانت تمضي قدمًا نحو المستقبل، أصبحت اليوم محملة بالحزن، محاطة بصمت جماعي.
الحزن الذي ينتشر بيننا كالظلال، يضعف خطواتنا، ويجعل كل كلمة تبدو كأنها صدى ماضٍ غادرنا بسرعة أكبر مما يمكن أن نتحمل.
نحن اليوم نعيش في ضباب من الذكريات والفراغ، نبحث عن شيء لا نعلم أين هو، ولا كيف يمكننا الوصول إليه.
ولكن في كل لحظة، نعلم أن هناك أمرًا أعمق يربطنا جميعًا: ذلك الفقد الذي نعيش فيه معًا، الذي يعكر صفو عقولنا.
في هذه اللحظات، بدأنا ندرك كم كانت أحلامنا المشتركة أكثر من مجرد هدف أكاديمي، بل كانت حلمًا لبناء حياة مستقبلية في مجال الطب، التي ضاع جزء منها مع رحيل زملائنا.
كما لو أننا جميعًا، في لحظة واحدة، أصبحنا أسرى هذا الشعور العميق الذي لا نستطيع الهروب منه، وأصبح الحزن مشتركًا بيننا جميعًا.
ليس فقط لأننا نواجه اختبارًا قاسيًا في حياتنا الدراسية، بل لأننا نعيش في أوقات يختلط فيها الألم بالأمل، والنسيان بالتذكر. دفعتنا، جميعنا بدون استثناء، أصبحنا نتنفس نفس الهواء الثقيل، هذا الهواء الذي يختلط بالحزن، بالذكريات، وبحجم الفقد الذي يربطنا معًا بطريقة لا يمكن تفسيرها.
فقدنا جزءًا من حلمنا المشترك، جزءًا من إنسان كان يومًا هنا، كان يملأ قلوبنا بالأمل، واليوم أصبح مجرد ذكرى يلوح في الأفق.
نحن نعيش في حالة من التشتت الجماعي، حالمة من ضياع مشترك.
حين أبدأ بالمذاكرة، أجد نفسي أتوه في صفحات الكتب كما لو كانت غربة، وكأن المعلومات تتناثر في عقلي، تتناثر كما تتناثر أوراق الأشجار في الرياح.
كلما حاولت أن ألتقط خيطًا من المعرفة، تذكرت أنه ليس فقط عقلي من يواجه هذا الصدام، بل إن دفعتنا بأسرها غارقة في نفس الدوامة.
نشعر وكأننا عشنا هذه اللحظات مرارًا وتكرارًا، ولكن لا نجد لنفسنا مخرجًا.
دفعتنا اليوم هي مرآةٌ متصدعة، وكل واحد منا يحمل في قلبه قطعةً من الحزن، وكل واحد منا يعاني في صمت.
تلك اللحظات التي نحاول فيها أن نتماسك ونمضي قدما نحو الامتحانات، هي لحظات محشوة بالحيرة والضياع، وكلما حاولنا المضي قدمًا، كان هناك شيءٌ يمنعنا، شيءٌ ثقيل في قلوبنا، كأننا نحمل عواقبَ أكبر من مجرد فشل أكاديمي.
نشعر وكأن الحياة تمنحنا دروسًا قاسية قبل الامتحانات، دروسًا عن فقد الأحبة، دروسًا عن الضعف المشترك.
ولكن رغم هذا الشعور، نحن هنا معًا، نعيش في حالة من الإرهاق الجماعي، لا أحد منا يستطيع أن يبتسم كالسابق، ولا أحد منا يمكنه أن يرفع رأسه عالياً كما كنا نفعل.
لكننا نعلم في أعماقنا أننا سنتجاوز هذه اللحظات، لأننا ندرك أن النجاح في هذه اللحظة ليس في تحصيل الدرجات، بل في قدرتنا على الوقوف مجددًا، في قدرتنا على الاستمرار رغم هذا الثقل الذي يثقل خطواتنا.
نحن دفعة من الألم والأمل، من الحزن الذي يشترك فيه الجميع.
دفعة سقطت تحت وطأة الفقد، ولكننا سنظل نحاول.
نُحاول أن نتجاوز الحواجز، وأن نضيء الطريق لبعضنا البعض، رغم كل شيء.
وفي ختام هذه الكلمات، نرفع أكفنا بالدعاء لزملائنا الأعزاء، الذين غادرونا في لحظة فارقة من حياتنا.
الرحمة والخلود للزميل أصيل الجوفي والزميل علي الشيبري، اللذين سطرا بأسمائهما ذكرى خالدة في قلوبنا، وستظل أرواحهم معنا في كل خطوة نخطوها نحو المستقبل.
لن ننساهم أبدًا، فحتى وإن رحلوا عن عالمنا، سيظل أثرهم فينا محفورًا، وستبقى ذكراهم مصدر إلهام لنا، مهما طال الزمن.
#أيمن_جسار