لقد اعتادت صحراؤنا العربية أن تقتل أنبياءها ونبلاءها وهو كان كما كلِّ نبي ونبيل أحد المغدورين بنصال الصحراء العربية...
وقد اعتادت صحراؤنا العربية ألا يحمل رملها الرخو سوى السحالي والمطايا الكبار فكيف لفارس أسطوري قادمٍ من سدرة منتهى الكبرياء مثله أن يقف على كاهل الصحراء ولا تتآمر عليه رمالها وتبتلعه كما ابتلعت أجداده وتآمرت عليهم من طف الذبيح الظامىء إلى طوس الغريب المسموم بكأس الصحراء العربية؟!!
كيف يمكن لتاريخنا العربي المهزوم حتى النخاع أن يحمل كل هذا الشرف المسمى أبا الهادي ولا ينهار تحت ثقله وعظمة صاحبه فيضيق به ويتعافى من وعكة النصر بالخلاص من نصر الله..؟!
لم تقتلنا سيوف الأعداء ولا راجماتهم وقواذفهم بعيدة المدى كما تقتلنا خناجر الإخوة المجاز...شرِّحوا جثث كل الشرفاء والأحرار والأبطال الباسقين الذين قضوا بامتداد التراب العربي وستجدوا أن ظهورهم المتطامنة مكلومة ومثخنة بالطعنات أضعاف صدورهم الكرارة في ميادين النزال...
نحن أمة قتلت الحسين ثم وقفت على ضريحه تلطم وتندب وتعاهده ألا تخذله مرتين ثم خذلته آلاف المرات ولاتزال تخذله ولا غرابة أن يلاقي هذا الحسين الطالع من ملاحم كربلاء المنتصرة سيفاً ذات مصير جده الذبيح بكربلاء المنتصرة دماً فهذا الواقع المديد من الخنى العربي والإسلامي لا يطيق انتصار الدم الطاهر فكيف يطيق انتصار السيف النبيل؟!..
إن تاريخ هذه الجغرافيا القومية والدينية يعيد نفسه فيصنع مهزلة ومأساةً في الوقت نفسه ومن النادر أن يحدث هذا الخرق في نواميس الصراع مرتين إلا على هذه الجغرافيا وفي وسطها الرخو والمهترىء بلا حدود...
كم حسين ينبغي أن يقضي ظامئاً مخذولاً وحيداً على ضفاف أنهارنا العربية من الفرات إلى النيل إلى الليطاني، لنصحو من هجعتنا المديدة وننفض عن ذاكرتنا سوسَ النسيان الذي ينخر أطهر صفحاتها فلا يُبقي لنا منها إلا كل متآكل ومهترىء وعفن؟!
كم سيف طالع بالنصر من مأساة الطف ينبغي أن يختضب بدم القابض على حده حتى نستعيد أيدينا العزلاء التي انكفأت إلى الأذقان مشانق للأعناق وأطواق رق ونلتحق بقافلة التحرير ونجترح النصر الكبير؟!!وهل بعد نصر الله نصر؟!
كيف يمكن للرجل الذي نفخ الروح في طينة تاريخنا الميتة أن يرحل ولا يموت التاريخ؟!
كيف يمكن للرجل الذي منح أبجديتنا الفارغة دلالاتها الكبيرة أن يلفظ أنفاسه ولا تلفظ الأبجدية أنفاسها وتعود فارغة بعده من كل دلالة ومعنى؟!..
كيف يمكن للجبل الذي ثبَّت أوتاد وجودنا المترنح عميقاً على هذا الكوكب أن يميد ولا تميد بعده الرواسي ويختل الوجود بأسره؟!.
#صلاح_الدكاك