يهرب من أمّه إلى زوجة أبيه!
عن الاغتراب اللغوي في الأهواز
سعيد بوسامر
نشر في مجلة المثقف العالمية
يحكى أن الروائي الجزائري رشيد بوجدرة اتخذ الفرنسية لغة للكتابة وانجز الكثير بهذه اللغة حتى قرر يوما أن يعود للعربية فوعد الوسط الأدبي الجزائري بأن يكتب من الآن فصاعدا بلغته الأم-العربية. إنه وفى كما وعد فكتب رواية بالعربية” التفكك” وروايات أخرى ك “معركة الزقـاق” أرجعته إلى أحضان العروبة. قال ذات يوم إن العربية اجمل من الفرنسية فاستبدلتها. وقال أيضا الكتَّاب الذين يكتبون بلغة غير لغتهم الأم يعيشون في المغترب وقد نفوا أنفسهم بأنفسهم أمَّا الكتَّاب الذين يكتبون بالعربية فموجودون في وطنهم وبين أحضان شعبهم، وبالنسبة لي هم أفضل بكثير من الذين يكتبون بلغة أجنبية. إنّ من يكتب بلغته هو أقرب إلى القلوب.حسب تعبير الروائية التركية “أليف شافاق” إنها تكتب بقلبها عندما تكتب بلغتها الأم التركية، وبعقلها عندما تكتب بالإنجليزية والكاتب بلغته أكثر إحساسا وأقل سذاجة من الكاتب بلغة أخرى.
الفكرة ممّا سبق أن المعهود والمتدوال في تاريخ الانسانية أنّ اللغة تبقى وتحيا بقدر ما يتعاظم رصيدها من الآثار الأدبية والعلمية التي كتبها الواعون من أبنائها. فما نؤلفه أو نكتبه نحن الأهوازيون باللغة الفارسية لا يعزز ولا يخدم لغتنا العربية ولا يصب في نهر الانتاج العلمي والأدبي والثقافي لهذه اللغة بل إنّه مجرد استهلاك لغة أخرى. ومن المؤكد أن ظهور كتّاب عرب يكتبون باللغة الفارسية لم يكن إنجازا ملفتا للساحة الثقافية العربية في الأهواز. بالعكس إن هذه الظاهرة مجرد استهلاك ولاتنفع التأصيل والتعزيز للغتنا، إذا لم تضرّها، وليس من المغالاة أو الشططِ إذا قلنا إن الكتابة بالفارسية خزيٌ علينا ونحن أصحاب لغة تعتبر لغة العلم في الماضي والحال والمستقبل وواحدة من اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الإنترنت والبحوث العلمية الآن، وكذلك الأكثر انتشارًا ونموًا متفوقةً على الفرنسية والروسية والصينية والفارسية
والكاتب الأهوازي قد يساهم بإزاحة اللغة الأم وهدم كيانها وفصلها عن اهلها عندما يقرر الهروب من أمه إلى زوجة أبيه.!
كتابتنا بالفارسية تحكيم لها وإغناء لمكتباتها. إنها مجرد عملية تقليد وخدمة للنموذج الفارسي ولاتمت لنا بصلة ولاتنفعنا إلا الّلهم الكتب التاريخية التي تريد أن ترسل رسالة إلى طرفي النزاع وياحبذا لو تعرّبت هذه الكتب لتروي التاريخ وتعزز اللغة العربية الأم وتنال مَغْنَمَيْنِ فِي آنٍ واحد. كما لا يخفى عن القارىء الكريم أن الأهواز مفخرةٌ في التأليفات العربية على مر العصور من فلسفة وأدب وتاريخ و… .فالإنجاز هو أن تكتب بلغتك الغنية المهجورة، هذه اللغة التي وسعت القرآن الكريم وكتبَ بها أعمدة الثقافة والعلم في العالم.
في ضوء ما سبق أرى أن التهافت على اللغة الفارسية ليس مجرد حبٍ لها بل هناك أسباب لهذه النزعة الانفصالية من اللغة الأم والرغبة في الكتابة والقراءة بلغة أخرى:
أولا-التماهي والسعي لتقمص هوية فارسية من خلال الكتابة باللغة الفارسية وجذب جمهور أكبر طبعا تحت ضوء الوهم الذي يعيشه هذا الفرد.
ثانيا-الرؤية الخاطئة بأن العالمية تعبر من جسر اللغة الفارسية. وهذه تأتي من فكرة أنه لا يمكن للكاتب أن يصل للمكانة المرموقة ولايذاع صيته إلا من خلال اللغة الرسمية.
ثالثا_إن الغة الفارسية تعد اليوم لغة الوجاهة الاجتماعیة(prestige language) أي اللغة الوحیدة للمدارس والجامعات والدوائر الحكومیة، المعوّل علیها من قبل مستخدمیها وهي العالیة والمتعالية اقتصادیاً وثقافیاً والمفضلة علی بقیة اللغات المتواجدة. سیطرة هذه اللغة تأتي من الإعلام الذي يروج لها ويهمل اللغة أو اللغات الأخرى الموجودة في الجغرافيا المعينة، لذا یمیل الأفراد غالبا لاستخدامها في الكتابة والقراءة اقتداءً بالفئة المسیطرة والمتعالية التي تستخدمها.
رابعا-الإحساس بدونية اللغة الأم والثقافة الأم مقابل اللغة والثقافة المسيطرة.
خامسا-لم تكن اللغة الأم موضع اهتمام حقيقي في الأهواز رغم الدراسات العلمیة الكثیرة التي أثبتت حاجتها لدیمومة حياة الانسان العربي.
سادسا- ليست هناك كفاءة لغوية مطلوبة عند الكاتب الأهوازي ولا يجهد ليتقنها رغم توفر آليات لإتقانها في عصرنا الحاضر.
سابعا-غياب كلٍّ من الأمن والاستقرار والثقة بالنفس وتسيطر الخوف الوهمي على الكاتب الأهوازي عند كتابته باللغة العربية.
ثامنا-غياب استعمال اللغة العربية على المستوى الأكاديمي في الجامعات والمحاضرات والنظرة اللاعلمية عليها باعتبارها تعكس التخلف مما يسبب الهروب البطيء من هوية المجموعة التي ينتمي اليها الفرد واللجوء لللغة التي بيدها المنصات العلمية والأدبية.
تاسعا-محاولة إرضاء القارئ العربي والفارسي معا من خلال نص يكتبه الفرد بلغة يفهمها الإثنان.
عاشرا-الجهل بالتاريخ العربي الأهوازي بوجه خاص وبمعالم الحضارة العربية والاسلامية بوجه عام.