#آمال_مبعثرة
في ظلال وطن قاسٍ، حيث الطفولة مفقودة كحلمٍ تلاشى، أجد نفسي أسيرًا بين أنقاض الذكريات. هناك، تحت سماءٍ ممزقة، كنتُ ألهو ببراءةٍ، لكن الأيام سرقتني من فرحتي، وحولتها إلى صدىً حزين. أركض خلف أحلامٍ كانت تتلألأ كنجومٍ بعيدة، لكنني لم أعد أرى سوى ظلالٍ تخنقني.
كنتُ أحلم بمنحةٍ دراسية، نافذةً إلى عالمٍ أوسع، لكن أحلامي تكسرت على صخور الواقع. كلما اقتربت، كانت الأبواب تُغلق في وجهي، وكأن الزمن يعبث بي، يضحك على طموحاتي البسيطة. كيف يمكن أن يُحرم المرء من حقه في التعلم، في النور؟
خيباتٌ تتوالى كطعناتٍ من أقرب الناس، أولئك الذين كان يُفترض بهم أن يكونوا سندي. كيف يمكن لقريب أن يكون غريبًا، في حين أن الأعداء يُخفون في قلوبهم رحمة؟ جرحٌ عميق ينزف في روحي، يحمل عبء خيانة لا تُنسى، وذكرياتٍ مؤلمة تُشعل نارًا في صدري.
وفي خضم الشباب الضائع، كنتُ أبحث عن ملاذٍ بين أصداء الألعاب، لكنني وجدت نفسي محطّمًا. كل ضحكةٍ كانت تُخفي ألمًا، وكل لحظةٍ من المرح كانت تُذكرني بما فقدته. أُحبُّ اللهو، لكن قلبي كان يئن تحت وطأة الفقد.
ثم جاء الليل، يحمل في طياته أنينًا، حيث انطفأت جذوة الروح، وغربت نفسي بين طيات الندم. بكاءٌ يملأ الفضاء من حولي، كأنني أستجدي ذكرياتي، أبحث عن أملٍ ضائع في زوايا القلب. كيف لي أن أستمر في غياب المعنى، في عالمٍ قاسٍ لا يعرف الرحمة؟
أسترجع الصور، تلك الطفولة التي غادرت دون عودة، والأحلام التي تلاشت كسرابٍ في الصحراء. أرى نفسي أسيرًا في متاهةٍ من الألم، حيث كل خطوة تقودني إلى مزيد من الحزن. أعيش في غربةٍ لا توصف، حيث تسكن الروح في ظلامٍ دامس، وتنتظر بصبرٍ عودة النور.
لكن، هل سيعود ذلك النور؟ أم أنني سأظل أعيش في شبح الماضي، أكتب عن آلامي بكلماتٍ قد لا تُفهم؟ في بحر من الدموع، أُغرق نفسي في ذكرياتٍ مؤلمة، وأتساءل: هل سيأتي يومٌ أستطيع فيه أن أتعلم كيف أستعيد نفسي، أم أنني سأظل أسيرًا في هذا السجن الأبدي؟
يا ليتني أستطيع أن أعود إلى ذلك الزمن، أستعيد طفولتي، وأعيش أحلامي كما يجب أن تكون. لكن الوقت يمضي، ولا يبقى سوى الألم. هكذا، في غياب الوطن، وفي انطفاء الروح، أستمر في الكتابة عن وجعي، عسى أن يجد أحدٌ صدىً لقصتي، أو ربما يتعاطف مع غربة قلبي.
ومع كل تلك المعاناة، أقول في نفسي: مهما طالت الصعاب، ستقول كانقشاع الغيوم. لكن حتى ذلك الحين، أعيش في عتمةٍ لا تُطاق، حيث يرافقني شبح الذكريات، كلما تذكرت صوت الضحكات التي كانت تعلو، ثم تلاشت كأنها لم تكن. عيونٌ كانت تراقبني ببراءة، أصبحت الآن تنظر إليّ بعتاب، وكأنها تسألني: أين ذهبت تلك الأحلام؟
أخطو في الحياة كعابر سبيل، بلا وجهة، بلا خريطة. أرى الأطفال يلعبون في الشوارع، فتعود إليّ ذكريات الطفولة، لكن الفرح بعيدٌ كأحلامي. أستمع إلى الأحاديث التي تدور حولي، لكنني أشعر أنني غريب بين أهلي، غريب في وطني.
كلما حاولت أن أمد يدي للنجاة، كانت الأقدار تسحبني إلى قاع الهاوية. أحلامٌ تتلاشى، كما يتلاشى ضوء الفجر في زوايا الليل. وجوهٌ عرفتها، قلوبٌ أحببتها، جميعها تركت جراحًا في روحي، كأنها رموزٌ للخيبة.
ومع كثرة الدموع، أجد نفسي محاصرًا بين أربعة جدران، جدران الألم، جدران الذكريات، جدران الخيانة. أصرخ في صمت، أطلب الفرج، لكن صدى صوتي يعود إليّ فارغًا، كأنني أُنادِي على سراب.
في كل لحظة، أجد نفسي أبحث عن بصيص أمل، عن شعاع نور يخترق ظلام قلبي. لكنني أعلم أنني بحاجة إلى تلك الغيوم التي ستنقشع، إلى ذلك الفجر الذي سيشرق من جديد. فمهما كانت الجراح عميقة، فإن الأمل، وإن كان بعيدًا، يبقى شعلةً في أعماق الروح.
#الكاتب_وسيم_العميسي
@wassmall2