#حسن_فرحان_المالكي 1438هـ | 2016
المجمع عليه في ثورة الإمام الحسين
حتى لا تضيع الحقيقة الأولى وسط الخصومات؛ يحسن أن نلخص ثورة الحسين بعيداً عن الغلو أو الجفاء، وفي نقاط:
أولاً الإمام الحسين، سبط النبي الكريم، وابن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وسيد شباب أهل الجنة، فضله محل إجماع، وهو للناس جميعاً.
ثانياً: يجب أن يضبط المسلم؛ بل العاقل؛ نفسه، فلا ينجرف لجفاء من باب مخاصمة غلو، ولا ينجرف لغلو من باب مخاصمة لجفاء.
ابحث عن الحقيقة وانصرها.
ثالثاً: ثورة الإمام الحسين كانت ضد وضع في غاية الظلم والقسوة؛ وانتهاك الحقوق وتغيير معالم الدين، وبعد إلحاح ووجود شوكة وعهود متبادلة.
رابعاً: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(214)) [سورة البقرة]
كانت ثورة الحسين حقوقية معرفية إنسانية، لم تكن لمطمع في سلطة ولا زعامة، ولكن لابد للأنظمة المتلاحقة أن تشوه أهداف هذه الثورة.
خامساً: من خلال تتبعي لسيرة أهل البيت، لم أجد أحداً منهم أراد الناس حتى يريدوه ويطلبوه ويتمنون عليه القيام بالواجب الشرعي في نصرة المظلوم؛ لذلك؛ إن وجد أحد أهل البيت أن الأغلبية راضية بالوضع القائم؛ لا يعتسفون الأمور، فالخيار للناس، بخلاف خصومهم؛ فهم يفرضون على الناس الرضا بالقوة؛ فالواحد من أهل البيت؛ إن طلبه صلحاء الناس؛ أو أغلبيتهم؛ للتغيير؛ يكون بين خيارين:
إما أن يجيب ويخشى خذلانهم له.
أو يتخلى فيخشى خذلانه لهم.
لكنهم؛ عندما يرون الخذلان يتركون السلطة؛ كما فعل الحسن؛ وإن رأوا النصرة وتقديم الوعود والعهود؛ يتقدمون للتغيير؛ ويكون الذنب على من أخلف ونكث.
لم يفرض أحد من أهل البيت نفسه على الناس؛ أقصد هنا؛ المتقدمين منهم؛ محل الأسوة؛ كعلي والحسن والحسين ومن تأسى بهم. ولا أقصد أكثر من انتسب إليهم؛ لم يجرب الناس خلافة أحد من أهل البيت - المتقدمين محل الأسوة - إلا الإمام علي، ولم يروا منه إلا العدل والمعرفة والحقوق .. البقية لم يحكموا.. بل؛ حتى الإمام علي، لما لم يجد الناس مقبلين عليه أيام السقيفة والشورى؛ ترك الأمر للناس واختيارهم، لكن؛ لما طلبه الجمهور بعد عثمان؛ وفى لهم؛ وهذه سنة الأنبياء أيضاً؛ فالنبي في مكة؛ لما لم يجد من أهل مكة إقبالاً عليه؛ لم تكن له سلطة حتى على أصحابه؛ فلما طلبوه في المدينة قام بواجبه؛ وسنة الأنبياء وأهل البيت أن الدين مسؤولية الناس أنفسهم.. العدل مسؤولية الناس أنفسهم.. المعرفة.. والحقوق..
فإذا رفض الناس ذلك؛ تركوهم وشأنهم؛ وليس معنى قولي (تركوهم وشأنهم) أنهم يتركون البيان الثقافي والتصحيح القضائي والأمر بالخير سلمياً، ولكنهم؛ لا يطلبون الخلافة ولا يخططون لها..
صحيح أن تأثيرهم خارج السلطة سيكون أقل أثراً، لكنهم يحترمون إرادة الناس؛ ويحملونهم المسؤولية تجاه اختيارهم؛ وهذه إيجابية وعقل وحكمة ونور؛ بل؛ حتى النبي نفسه، لما يكون رأيه في مكان والصحابة رأيهم في مكان - في الأمور غير الشرعية - يتابعهم ويحملهم المسؤولية، كالخروج يوم أحد مثلاً..
وكذلك؛ رأينا الإمام علي - وهو رأس أهل البيت بعد النبي - يقر الناس على اختيار أبي موسى للتحكيم؛ مع أنه يرى أن أبا موسى ليس أهلاً لهذه المهمة؛ وكذلك الحسن ، ترك الخلافة لما رأى أغلبية الناس مع الدينار والدرهم وبيع الذمم، تركهم وشأنهم وحملهم مسؤولية هذا الاختيار، ورأوا نتيجة ذلك؛ وهذا قبل أن تكون سنة النبي وسنة أهل البيت، هو شرع الله حتى فيما هو أعظم من السلطة، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)..
أنت مسؤول عن اختيارك؛ ولذلك؛ لما وجد الحسين نكث وتخاذل أهل الكوفة - بعد أن وفى لهم - طلب العودة إلى مكة أو أي مكان، ويترك هذا الأمر، فلا يفرض نفسه على أحد. بل؛ حتى الإمام الهادي يحيى بن الحسين باليمن، طلبه أهل صعدة ليحكمهم ويقضي على الفتن والنزاعات، فلما وجدهم ينهبون المال عاد إلى المدينة. ثم جرى بينهم - أهل شمال اليمن - فتن وحروب؛ فعادوا وطلبوه من المدينة مرة أخرى؛ وأخذ عليهم الوفاء بالتزام الشريعة والتوقف عن الظلم باسمه.
نعم؛ ظهر فيما بعد أناس من بني هاشم ومن آل علي في العالم الإسلامي من شابهوا من قبلهم، هدفهم السلطة والمال؛ ولكن؛ كان هؤلاء جهلة وأهل دنيا؛ كل من شابه بني أمية والعباسيين في طريقة طلبهم للخلافة من آل علي، فهو ابن الثقافة الأموية؛ لا من أتباع سيرة أهل البيت الأوائل. وله دلائله..
المقصود هنا؛ أن تشويه سيرة أهل البيت؛ بأنهم يطلبون الخلافة؛ غير صحيح. نعم؛ غلب هذا على المتأخرين؛ لكن المتقدمين كانوا لا يتحركون إلا برضا الناس؛ وتحركهم برضا الناس لا يعني أنهم يجعلون (رضا الناس) هو الشرعي