التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنـه كـان وهـو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفاً من الله، وخوفاً من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان: 10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجـود لـه في القرآن الكريم إلا كحديـث عـن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك.
يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة ونافذة إلى النار. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه (إن الجنة لم تخلق بعد)، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج.
قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجاً، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها.
عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أنتج أناساً أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات (نوع معين من الطاعات)، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج أناساً من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلاً يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر.
ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) لا أبالي ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)).
إذا كنت تريد أن تصنع خوفاً في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً. فركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليـوم الآخـر علـى الحديـث عـن اليـوم الآخـر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة. وهذا هو مـا ظهـر جلياً في القرآن الكريم أنه من أهم الوسائل لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس. حينها سترى أن تلك الأهوال الشديدة تلك النار الشديدة تهون عليك نفسك أن تبذلها ولو عدة مرات في الحياة وتسلم تلك الأهوال، تأمن أثناء تلك الأهوال، وتأمن من تلك النار الشديدة، وأن ذلك النعيم العظيم وذلك المقام الرفيع يجدر بك أن تستهين بنفسك فتبذلها عدة مرات في الحياة من أجل أن تصل إليه.
أوليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على [مشرب] على قطعة أرض قطعة أرض مزروعة [بن أو قات] أو [عرصة] منزل. مستعد أن يقاتل فيقتل، ويتهدد (بأنك لا يمكن أن تدخل لها من طرف - كما يقول البعض -: [إلا على رقبتي هذه]) أليس هذا استبسالاً؟ استبسال لأنه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذل من أجلها نفسه.
انظر إلى الجنة ستراها جديـرة بـأن تبـذل من أجلها نفسك عدة مرات فتحيا من جديد ثم تقتل من جديد ولو في كل معركة.
هنا فـي الدنيا أليس الناس يخافون؟ وقد يكون بعض المواقف تخيف الإنسان فيواجهها ولو بأن يبذل نفسه من أجل أن يأمن ذلك الجانب. ستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات من أجل أن تنجو من جهنم. هذا هو أسلوب القـرآن الحكيـم، لأنـه مـن الناحيـة التربويـة مـن الناحية المنهجية تربوياً غير صحيح أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: 111) ثم ينطلق رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، وأعظم محرض على الجهاد بأسلوبه القوي بعباراته الجزلة بمعانيه الصحيحة، بتربيته المستقيمة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً يعرف منهجية القرآن لا يخالفه، لا يتعداه ولا خطوة واحدة، ثم يأتي ليخوف الناس من القبر ومن الموت ومن. ومن؟ حتى يجعلهم ينكمشون ويخافون، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القرآن؟ لا.
إذا كنت تريد أن تعرف المسألة جلياً فانظر إلى القادة العسكريين وهم يعملون على رفع معنويات الجيش أثناء المواجهة. اسمع البيانات العسكرية لتعرف كيف أننا نحن ونحن بشر أن هذه قضية مسلمة لدينا.