📑#شـرح_الـحـديـث🖋 مِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنْ فَضَّلَ بعضَ مَخلوقاتِه على بعضٍ ، ومِن ذلك تَفضيلُ بعضِ الأيَّامِ على بَعضٍ ، مِثلُ تَفضيلِ يومِ عَرَفةَ ، وليْلةِ القدرِ ، ويوْمِ الجُمعةِ ، ولكلِّ وَقتٍ منهم فضْلُه المختلِفُ عن غيرِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ خَير يَومٍ مِن أيَّامِ الأُسبوعِ طَلَعَتْ عليه الشَّمسُ ، هو يَومُ الجُمعَةِ ؛ ومِن خَصائصِ ذلك اليومِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خَلَقَ فيه أبا البَشرِ آدَمَ عليه السلامُ ، وفيه أَسْكَنه اللهُ عزَّ وجلَّ الجَنَّةَ ، وَفيهِ أُخرِجَ آدَمُ وزَوجتُه مِنَ الجنَّةِ وهَبَطَ إلَى الأَرضِ لِلخِلافةِ فيها.
👈وخُروجُه منها هو خُروجُ العائدِ لها ؛ لأنَّ الجَنَّةَ هي في الأصلِ مَسكنُه ؛ لأنَّ اللهَ تعالىَ قال : {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] ، ويومُ خُروجِه عليه السَّلامُ مِن الجَنَّةِ هو يومُ خِلافتِه في الأرضِ ونُزولِه لها.
👈وذِكرُ هذه الأَحْداثِ العِظامِ وهذِه القضايا المَعدودةِ الَّتي وقَعَتْ في يَومِ الجُمُعةِ :
#قيل : ليْستْ لذِكرِ فَضيلتِه ؛ لأنَّ ما وقَعَ فيه مِن إخراجِ آدَمَ وقِيامِ السَّاعةِ لا يُعَدُّ مِن الفَضائِل ، وإنَّما هو تَعظيمٌ لِمَا وقَعَ فيه وما حدَثَ فيه كبِدايةٍ للخَلقِ ونِهايةٍ له.
● ورَضيَ بالإسلامِ دينًا ، أي : مَذهبًا وطَريقًا ، فاختارَه من بينِ سائرِ الأديانِ ، فدخَلَ فيه راضيًا مُستسلِمًا ، وأنكَرَ ما سِواه مِنَ الأديانِ الباطِلةِ.
● ورَضيَ بِمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَسولًا ، أي : مُتَّبَعًا وإمامًا ومُقتدًى به في شَريعتِه ، فرَضيَ بجَميعِ ما جاءَ به من عندِ اللهِ تَعالَى ، وقَبِلَ ذلك بالتَّسليمِ والانشراحِ ؛ فصَدَّقَه فيما أخبَرَ ، وأطاعَه فيما أمَرَ ، واجتنَبَ ما عنه نَهَى وزجَرَ ، وأحبَّه واتَّبعَه ونَصَرَه.
👈فمَن رَضِيَ بهذه الأُمورِ سَهُلت عليه كلُّ مَصاعِبِ الدُّنيا ؛ لأنَّه أصبحَ مُستنِدًا إلى يَقينِ اللهِ ، والتَّسليمِ الصَّادقِ له ولِشَرعه الذي جاءَ به النَّبيُّ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؛ فيَجِدُ بذلكَ راحةً وطُمأنينةً في قلبهِ ، ويَجِدُ اللَّذَّةَ الحقيقيَّةَ في فَمِه وفي قلبِهِ.
الرُّقيةُ الشَّرعيةُ من أنواعِ العِلاجِ والتَّحصيناتِ التي كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستخْدِمُها ، فيَرقي أَحْفادَهُ وغيرَهُمْ منَ المرْضى ، فيَبْرَؤون بإذنِ اللهِ تَعالى.
وفي هذا الحديثِ تقولُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها :
● "كان" أي : رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، "إذا مَرِضَ أحَدٌ من أهْلِ بيته نَفَثَ عليه" ، والنَّفثُ نَفخٌ لَطيفٌ بلا ريقٍ ، "بالمُعوِّذاتِ" ، أي : كان يَجمَعُ كفَّيهِ ، ويَقرَأُ سُورتَيِ الفَلَقِ والناسِ ، ثم يَنفُخُ فيهما ، ثم يمسَحُ بهما جسَدَ المريضِ ، ولعلَّ السبَبَ في هذا النَّفْثِ ، هو أنَّ الدُّعاءَ أو القُرآنَ الذي نَطَقَ به اللِّسانُ أوجَدَ في جَوفِ وريقِ هذا الإنسانِ الذي نَطَقَ به بَرَكةً لهذه الأعمالِ الصالحةِ ، فينفُثُ الراقي في يَدِه ويُمرِّرُ هذه البَرَكةَ على جَسَدِ المريضِ ؛ فيَبرَأَ بإذنِ اللهِ.
بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ لِكُلِّ عَبدٍ وَقفةً بَينَ يَدَيِ اللهِ تَعالى يَومَ القيامةِ ، يَسألُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن كُلِّ شَيءٍ ؛ وذلك حَثًّا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الاستِعدادِ لِهذا المَوقِفِ ، وإعدادِ الجَوابِ له.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :
● "لا تَزولُ قَدَما عَبدٍ يَومَ القيامةِ" #والمعنى : لا تَتحَرَّكُ وتَنصَرِفُ قَدَمُ كُلِّ إنسانٍ مِن مَوضِعِ الحِسابِ يَومَ القيامةِ حتى يَسألَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن عِدَّةِ أشياءَ :
● "حتى يُسألَ عن عُمُرِه ؛ فيمَ أفناه؟" عن حَياتِه وزَمانِه الذي عاشَه ، ماذا عَمِلَ فيه؟ وكيف استَغَلَّ أوقاتَه؟
● "وعن عِلْمِه ؛ فيمَ فَعَلَ فيه؟" ويَسألُه رَبُّه عَزَّ وجَلَّ عن عِلْمِه الذي تَعَلَّمَه ، ماذا فَعَلَ بهذا العِلْمِ؟ هل تَعَلَّمَه لِوَجهِ اللهِ خالِصًا أم رِياءً وسُمعةً؟ وهل عَمِلَ فيما عَلِمَ أم لم يَنفَعْه عِلْمُه؟
● "وعن مالِه ؛ مِن أينَ اكتَسَبَه؟ وفيمَ أنفَقَه؟" ويَسألُه رَبُّه عَزَّ وجَلَّ عن أموالِه التي جَمَعَها ، أمِن حَلالٍ أم مِن حَرامٍ؟ وفيمَ أنفَقَها؟ أفي طاعةٍ أم في مَعصيةٍ؟
● "وعن جِسمِه" والمُرادُ به الصِّحَّةُ ؛ "فيمَ أبلاه" ، وعن قُوَّتِه ماذا فَعَلَ بها؟ وفيمَ أضاعَ شَبابَه وصِحَّتَه؟
👈وهذا إرشادٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَّتِه إلى اغتِنامِ الفُرَصِ في الحياةِ ؛ لِلعَمَلِ لِلآخِرةِ بِـمَلْءِ الأوقاتِ بالطَّاعاتِ ؛ لِأنَّها هي عُمُرُ الإنسانِ في الدُّنيا، وذَخيرَتُه في الآخِرةِ.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على أُمَّتِه في كلِّ ما فيه صَلاحُهم في الدِّينِ والدُّنيا ، ومِن ذلك الأمرُ بالأخذِ بأسبابِ الشِّفاءِ كالتَّداوي والعِلاجِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُثمَانُ بنُ أبي العَاصِ الثَّقَفِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه شَكَا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَجَعًا يُؤلِم جسَدَه منذُ أسلَمَ ، فأَمَره صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يَضَعَ يدَه على ما يُؤلِمُه مِن جَسدِه ، ويقولَ :
الرُّجوعُ في الهِبةِ مِن الأفعالِ الذَّميمةِ والتَّصرُّفاتِ الدَّنيئةِ التي تُنافي المُروءةَ ، ولا يَرتَضيها الطَّبعُ السَّليمُ ، ومِن ثَمَّ نفَّرَ منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وشبَّه فاعِلَه بأقبَحِ الصُّوَرِ وأشنَعِها.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَنبغي ولا يَحِلُّ لنا أنْ نَرتَضِيَ لأنفُسِنا مثَلَ السَّوءِ ، «الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ» ، بأنْ يَقِيءَ ما في بطْنِه ثمَّ يَعودَ فيَأكُلَ قَيئَه ؛ فشبَّهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذي يَعودُ في هِبَتِه التي يُعْطيها لغيرِه بالكَلْبِ يَرجِعُ في قَيئِه.
👈#والمعنى : لا يَنْبغي لنا مَعشَرَ المؤمنينَ أنْ نتَّصِفَ بصِفةٍ ذَميمةٍ نُشابِهُ فيها أخسَّ الحَيَواناتِ ، وقَليلًا ما جاءَ هذا التَّشبيهُ في الشَّريعةِ ؛ ممَّا يَدلُّ على عِظَمِ قُبحِ هذه الفِعلةِ ، وإنَّما شَبَّهه بالقَيءِ ولم يُشبِّهْهُ بغيرِه مِن المحرَّماتِ ؛ تَقْبيحًا لشَأنِه ، وأنَّ النَّفْسَ كما تَكرَهُ الرُّجوعَ في القَيءِ وتَأنَفُ منه وتَستقذِرُه ؛ فكذا يَنبَغي أنْ تَنفِرَ مِن الرُّجوعِ في الهِبَةِ وتَكْرَهَه.
أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قام بعد أنْ رجَم الأسْلَميَّ فقال : ((اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها ، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ ، ولْيَتُبْ إلى اللهِ ، فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه ، نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ)).
أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالسَّتْرِ على الذُّنوبِ والمَعايِبِ ، ومن ذلك سَتْرُ العبْدِ على نفْسِهِ إذا أتَى مَعصيةً ؛ عسَى اللهُ أن يَستُرَهُ في الدُّنْيا والآخِرةِ ؛ ويَغْفِرَها له مع التَّوْبةِ ، فإنَّ ارتكابَ المعصيةِ مع سَتْرِها أهْونُ وأخَفُّ من المجاهَرَةِ بها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما :
● "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام بعد أن رَجَمَ الأسْلَميَّ" ، وهو ماعِزُ بنُ مالكٍ الأسْلَميُّ ، وكان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقامَ عليه حَدَّ الزاني المُحْصَنِ وهو الرَّجْمُ ، وكان ماعزٌ قد أقرَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالزِّنا كما جاء في الرِّواياتِ الأُخرَى ، ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :
● "اجْتَنِبوا هذه القاذوراتِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها" ، والمُرادُ بالقاذوراتِ : الأفعالُ القَبيحةُ والسيِّئةُ التي نَهى عنها الشَّرْعُ ، ومنها الزنا.
● "فمَن ألمَّ بشَيءٍ منها" ، أي : وَقَعَ فيها وفَعَلَها ، "فلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ اللهِ" ، أي : يَمْتنعْ أنْ يَتحدَّثَ أو يُخبِرَ أحدًا ، "ولْيَتُبْ إلى اللهِ" ، أي : ولْيُسارِعْ في التَّوبَةِ من ذَنْبِهِ الذي أذْنَبَهُ ؛ "فإنَّه مَن يُبْدِ لنا صَفْحَتَه" ، بأنْ أظْهَرَ لنا وأَطْلَعَنا على فَعْلتِهِ وذَنْبِهِ ، "نُقِمْ عليه كِتابَ اللهِ" ، أي : نَحكُمْ عليه بحُكْمِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، ونقم عليه الحَدَّ الذي ذَكرَه اللهُ تعالى في كِتابِه.
● وفيه : إخبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا يكونُ عليه النَّاسُ في آخِرِ الزَّمانِ ، وهو مِن بابِ الذَّمِّ والتَّحذيرِ ، وهو مِن مُعجِزاتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الدُّيونُ من الأُمورِ الثَّقيلةِ على النَّفْسِ ، ويكونُ هَمُّها مُضاعَفًا على الفَقيرِ الذي لا يَجِدُ ما يَقضي به دُيونَه ، ولمَّا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رحيمًا بأُمَّتِه ، مُحِبًّا لها ، فقد قال :
● "مَن حَمَلَ من أُمَّتي دَينًا" ، أي : تَدايَنَ بدَينٍ أو أخَذَ قَرضًا من أحَدِهم.
● "ثُمَّ جَهِدَ في قَضائِه" ، أي : بَذَلَ جَهدَه مُحاوِلًا قَضاءَ دَينِه.
● "ثُمَّ ماتَ قبْلَ أنْ يَقضيَه ؛ فأنا وَليُّه" ، أي : فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْضي عنه ذلك الدَّينَ ، وهذا من حُسنِ أخْلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومُؤازَرَتِه للمُسلِمينَ ، وحِرْصِه على عَدَمِ ضَياعِهم ، وهذا كما قال تَعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] ؛ فهو أَرْأفُ الخَلقِ بهم ، وقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُصلِّي في بادئِ الأمْرِ على مَن ماتَ مِن المُسلِمينَ وعليه دَيْنٌ ، إلَّا أن يَقضِيَه عنه أحَدٌ ؛ لأنَّ الدَّينَ مِن حُقوقِ العبادِ التي يَجِبُ الوَفاءُ بها ، فلمَّا فَتَحَ اللهُ تَعالى على المُسلِمينَ الفُتوحَ ، وكَثُرَ المالُ ، كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقضِي دَيْنَ مَن ماتَ.