ما حالك مع النوافل والمستحبات؟! فهي علامة الإيمان وطريق محبة الرحمن.
يقول الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].
"يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان: أحدهما عن اليمين وعن الشمال، فصاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر، فإذا مت طُويت صحيفتك حتى يوم القيامة، فيقال لك: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا، ثم قال: "عدل والله من جعلك حسيب نفسك".
عبد الله! اجلس مع نفسك وحاسبها، وقل لها: يا نفس أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا، ويأنس بها، فمصيره الموت، يا نفس أو ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا، أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويؤملون ما لا يدركون، يبني كل واحد قصرًا مرفوعًا إلى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الأرض.
ويحكِ يا نفس، أما تستحين من الله تزينين ظاهرك للخلق، وتبارزين الله في السر بالعظائم.
ويحك أهو أهون الناظرين إليك، أتأمرين الناس بالخير وأنت ملطخة بالرذائل، فانظري يا نفس بأي بدنٍ تقفين بين يدي الله، وبأي لسان تجيبين فأعدي للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا.
يا نفس اخرجي من الدنيا خروج الأحرار قبل أن تخرجي منها على الاضطرار.
عبد الله قل:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا *** وصدته المنايا أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزينا *** على زلاته قلقاً كئيبا
أنا المضطر أرجو منك عفواً *** ومن يرجو رضاك لن يخيبا
فيا أسفى على عمرٍ تقَضّى *** ولم أكسب به إلا الذنوبا
ويا حزناه من حشري ونشري *** بيوم يجعل الولدان شيبا
فيا من مد في كسب الخطايا *** خطاه أما آن الأوان أن تتوبا
قال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى -: "مكتوب في التوراة: كما تدين تدان، وكما تُزرع تحصد، فتب إلى مولاك من قريب فو الله ما ظلمك من جعلك حسيب نفسك".
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "يقول العبد يوم القيامة: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين شهودًا" فيُختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بُعداً لكُنّ وسُحقًا، فعنكُنّ كنت أُناضل.
أخي: حاسب نفسك لنفسك وأخلص تخلص، فالناقد بصير..
العمر ينقص والذنوب تزيد *** وتُقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد *** رجل جوارحه عليه شهود
عباد الله: صلوا وسلموا على سيد البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك فقال في كتابه الكريم:
(إِنَّ اللَّهَ وَملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيهُّا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.