تعلن لي بموعد أخذ الراحة من الدروس، توزع أبخرتها حول أنفي؛ لتشعرني بالأمان، تحدثني بأنَّها ستعدل مزاجي، وتجعلني أستمر في الدراسة دون انقطاع، انتظاري لها دومًا يكون بلهفة، إنَّها القهوة يا أحباب، أحتسيها وكلِّي سعادة، تمنحني مزاجًا رائعًا ينسيني كلَّ الآلام.
كل ما حسَ به قلبي، الدّفء والشعور المُريح، والرائحة الزكية، كل هذا في مكانٍ واحد، بجانبِ مذياع يُذيعُ برنامجي المُفضل، في وقت الغروب البـارد، هُدوءٌ في الخارج، ويعمُّ البيت رائحةُ القهوة، وضوءٍ خافـت من شموع يُحبها فؤادي الصغير.
في تلك اللحظة، تندفع رائحة القهوة الغامِـرة في الأجواء، فتنشِّط حواسي وتحرّك شغفي، بُخار القهوة الدافئ ينسابُ برفقٍ نحـو وجهي؛ فيمنحني شعورًا بالانتعاش والراحة، أشعرُ ببرودةِ الكوب المعدنيّ في يدي، بينما أستمتع بمذاقها المُـر الذي يلامس حليماتي الذوقية، في الزاوية يصدح صوت المذياع الصغير، مما يخلق تداخلًا موسيقيًا مع سكون المكان، ويسرقني إلى عوالم أخرى ساحرة، لحظات من الهدوء تتشابك فيها كل الحواس على نحوٍ عميق مما يجعلني أشعر كأنني أعيش في حلم جميل.
لستُ من مُحبي القهوة، ولكن هذا الفنجان كان مميزًا، في صَبيحة اليوم 21 من ديسمبر، وفي ذلك الجو الشتـوي، ومع زخات المطر شعرتُ بذلك الكوب ينفرد عن غيره؛ ومع أول رشفة له شعرت بهِ يسري في عروقي كالدّبيب، ومع انـتهاءه لَامس قلبي صوتُ المذيع وهو يقول: "متابعينا الأعزاء نزف لكم البُشرى بتحرير كامل الأراضي الفلسطينية وعودة كل اللاجئين والمهاجرين إلى ديارهم، وتُقـام الآن صلاة الفَتح في ساحاتِ المسجد الأقـصى المُبارك"