المتفرِّجون على ثباتٍ وفتحٍ لهؤلاء، وتضحيةٍ وبذلٍ لهؤلاء، نجلس تحت سقفٍ ثابتٍ بجانب تدفئةٍ مريحة! نكتب حروفًا عن الصبر والتمكين دون التَّحَرُّك جيّدًا للإعداد له!.. اِسأل الله استخدامًا يا فَتىٰ، وألّا تكون زائدًا، كنُقطةٍ في نهايةِ سطرٍ لا وجود له.
إنَّ هذ الدين قائمٌ بحملته، وبمن هم أهله، وإنَّ جرح الإسلام اليوم كبيرٌ جدًا، ونزيفه واسع، ومخاض الأمة قد طال بكلِّ ما فيه من أوجاع. وإن كنتُ لم أختر يومًا مجال التعليم أو التدريس، أو قد رسمت لحياتي مسارًا غير الذي أنا عليه الآن، وتخصصًا غير تخصصي في الشريعة أو العربية، فإن حكمة الله أعلى وأجل.
يحزُّ في قلبي أشياء كثيرة لم يقدَّر لَها أن تكتمل، بقيت ناقصة تأخذ مجراها في قلبي كلما خطرت عليه، لكن دائمًا يحضرني قول الله تعالى {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}، وأي رزق خيرٌ من تعليم أطفال المسلمين أمور دينهم.
وختامًا، لا بدَّ لي أن أتوجَّه بالشكر الجزيل إلى إدارة المدرسة، التي تقدم تعاونًا كبيرًا في هذا المجال، وإلى أستاذَي الدين في القسم معي، اللَّذين يشكلان رافدًا مهمًا لإنجاح هذا المشروع بكلِّ ما فيه. وإلى برنامج البناء المنهجي، والقائمين عليه، والمسؤولين عنه، وإلى الشيخ أحمد السيد حفظه الله تعالى، لكم الفضل بعد الله عزَّ وجلَّ فيما نحن عليه الآن.
أسأل الله تعالى أن يتقبَّله منا خالصًا لوجهه، وأن يُلهمنا فيه الصَّواب، والصدق والإخلاص، وأن يعيذنا من رياء، وسمعة، وقولٍ دون فعل، وأن يكون مقدمة خيرٍ، ووسيلة إصلاح، وأن ينفع به، ويكتب له النجاح والقبول، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وأجمعين.
إنَّ السودان هو حياتُنا، ونحن بضعةٌ منه، وإنَّ دفاعنا عنه وموتَنا في سبيلهِ هو دفاع الولد البارِّ عن أبيه، الذي لا حياة له ولا عزَّ ولا مجد إلَّا بحياته وعزِّه ومجده.
تؤلمني الصورة، ولكن ما عساي أن أفعل؟! أذكر ذلك الرجل الذي سأل ربَّه أن يحشره من بطون سباع الطير، وقد كان، وأذكر حسرة خالد وهو يموت على فراشه. أذكرُ حمزة، وكيف قُتل عمر، وذهب علي.. كلُّهم في لحظة غدر، ولكن بعد ماذا؟! بعد أن قدموا لدين الله أرواحهم..
ذهبت، هل هذا الخبر صحيح أم لا، لا أعلم، ولكنني أعلم أن الله قد اصطفاك لنصرة مسجده ودينه وأنت حي، أفلا يصطفيك ش هــ ـيدًا؟!
وليجدك العدوُّ حيث يحذر.. داعيًا لإخوانك، قانتًا في صلاتك، مقاطعًا لشركائهم، فاضحًا لجرائمهم، مطيعًا لربك، تنصُر الأمة بأعمالك، ومتفانيًا في هذا كلِّه!
مضى عامٌ يا حُلوتي، على الفجرِ الأوَّل، وخيرِ يومٍ أشرقت فيه شمسٌ على المسلمين منذ ألفِ عام.. يومَ عبر البطلُ بمظلَّته، والآخرُ تحتَ بحره، والثالث يكسرُ القيد ويقتحمُ الحاجز، وصدى صوتهم واحد: الله أكبر، الله أكبر!
مضى عامٌ على بطولاتٍ ما رأيناها رأي العيان يومًا، كنا نظنُّها خبرًا في سير السابقين، وإذ بنا نعيشها. أصبحنا نسأل عن حُكم الأسرى، وما كان لدينا يومًا من أسير بين أيدينا. وعن حكم الابتداء بال ح رب، والتي لم نبتدأها يومًا قبل تاريخنا المجيد!
عامٌ يا حُلوتي، من العزة والإباء، وشموخ عالٍ عالٍ، وصبرٍ طويلٍ طويل، وجهاد مباركٍ مباركٍ، وثمن غالٍ غالٍ.
عامٌ يا حُلوتي، والد م المسلم شلال، وبنيان المسلمين دمار، والأرضُ تُنتهك، والجوعُ قاتل، والحزنُ شديد، لا طحين، لا ماء، لا أمن، لا أمان؛ وأرواح في الجنة تطير، شهد اء شهد اء..
عامٌ من العزَّة، وعامٌ من الألم، ولا يولد نصرٌ دون شِدَّة. والثمن: جنَّة!