في موقفٍ ماضي..تتالت عليه الأيام والشهور والسنين..موقفٌ قديم.. أنبِسُ في أُذنهِ الآن: (ليتني لم أفعل..) . من منظورٍ آخر ومن زاوية أخرى أُقابل موقف آخر مضى أيضًا..موقف من الماضي..ربما إنقضى قبل الموقف الأول..أو بعده..لا أدري..لكنه حدث..أهمِس في أذنه(ياليتني فعلتُ)..
ولكن فجأة يتملكك ذلك الشعور أنك في المكان الخطأ، في الحقبة الخطأ بين بشرٍ لا تنتمي لهم ولا ينتمون إليك.. ذلك الشعور بالضياع الدائم وكأنك كوكب بلوتو، لا يعترف بك أحدًا ولا تنتمي لمجرة.
مضى على #الشافعي قرابة ١٣٠٠ سنة، وهو الذي قال: إذا المرءُ لا يرعاكَ إلا تكلُّفا فَدَعْهُ ولا تُكْثِر عليهِ التأسُّفا. ومنذ ذلك الوقت لمْ نَجِدْ نصيحةً أبلغ ولا أوجز منها.
فأنا أرى الجميع يحبون الموتى، ويذكرون أجمل ما فيهم، أرهم متسامحين جدًا مع أخطائهم، فقد أدركوا أنهم بشر والبشر خطاؤون، حتى إذا حلم أحدهم أنه رأى أحد الموتى استيقظ سعيدًا جدًا يحاول جاهدًا أن يتذكر ما قاله له!!!
أريد حقًا أن أموت لأني سأكون حينها أفضل من الملائكة وسيتسابق الناس على ذكر كل محاسني حتى لو كانت مجرد ابتسامة صغيرة، سيعظمونها ويجعلوني أيقونة في الأخلاق الحسنة، سينسون أني كنت كثير الغضب سريع الإنفعال وربما أبكي كثيرًا ولو كان لي ابن سيتسابقون لتقبيله عندما يرونه، وينظرون إليه وكأنه قطعة مني لم تدفن بعد، وسيسارع الجميع إلى تشبيهه بي عندما يعمل شيئًا جميلًا!!
أريد أن أموت فعندما أدفن سيذهب من أحب إلى قبري ويضعون الورود عليه، وقد كان سيغنيني وردة واحدة فقط وأنا على قيد الحياة، سيذرفون الدموع علي، وكنت سأكتفي بابتسامة متصنعة منهم عندما كنت بينهم، سيدعون لي كلما ذكروني، ولو كنت حيًا لما تذكروني
بداخي كُمًّا هائلاً من اللوم، وعِتابًا إن عزمتُ على توثيقه وحصرِ نطاقه في ورقةٍ ذات سعة عريضة ما كَفته كل سطورها..! "..عتاب..لوم.." أحملهما بعمق حشاشتي..إنها لا تنفَكُّ عن تهميش رأسي وقضم أحشائي وإدماء روحي وتكوين غصة بحلقي وتقطيع عروقي مسببة بذلك نزيف داخلي لي.. لا تفسروا الأمر خطأ.. لم تكن المشكلة في أنني لم أستطع تحريرهما من جوفي لألقي بهما على الشخص المَعني! بل لدي من الجرأة ما يُخوّلني للوقوف بوجه ذلك الشخص وصب عليه لومي وأثقب صدره برصاصِ عتابي بكل قسوة وأمضي. أستطيع فعلها.. لكن المشكلة تكمِن في أنني ليس بجعبتي حججًا مباشرة لعتابي..لا أملك مببراتٍ رصينة توحي بأن من حقي اللوم.. لكن في واقع الأمر هو من حقي.. لكن إن عقدتُ العزم على فتحِ خاطري ونسجِ عتابي والبوح به لا أجد عبارات تُقنِع الطرف الآخر بوجهة نظري ولا مفردات تعبر عن مشاعري بدقة..
آه.. هي أشياء أشعر بها..لن تفهموها..صدقوني لن تفهموها.. وأظن بأن ذلك أفضل..