صادفتني جُمله في كتاب قرأته مؤخرًا تقول : "سوء الظن بالله هو نقيض الإيمان" وإذا كان سوء الظن بالله هو نقيض الإيمان فلماذا لا نؤمن بالله؟!
دائمًا ما تسوقفني آية : (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) متأملًا حتى أراها إختبار حقيقي لصورة الله في ذهني "أي كيف أرى الله؟" وتكون الإجابة دائمًا أن الله رحيم ، لطيف ، ودود ، جواد وهاب ، قادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وعندما تبرز هذه الصفات فأنا لا أتذكرها بمعناها الحرفي الذي حفظناه في المدرسة ، ولكن بمعناها الضمني أي أذكُر المرات التي تجلى الله علي فيها بهذه الصفات ، في شتى المواقف الحياتية.
كل إيمان قابل للتحقق ، وسوء الظن بالله أو الشك هو أيضًا إيمان ، أي إيمان بعدم حدوث الشئ ، لذلك قد يتحقق و يتجلى في عدم حدوثه.
سوء الظن بالله وتوقع الأسوأ قد يجعل ما هو متوقع يحدث بالفعل و في علم النفس نُسميها نبوءة ذاتية التحقيق (self fulfilling prophecy) على شاكلة : "كل متوقع آتِ" أي أن الحقيقة أنك أنت الذي تُمكن أفكارك ومخاوفك من الظهور و التجلي في واقعك بطريقة لاواعية (unconsciously).
(مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍۢ فَمِن نَّفْسِكَ).
أي يا إبن آدم ما أصابك مِن خير ونعمة فهو من الله تعالى وحده، فضلا وإحسانًا، وما أصابك من جهد وشقاء وشدة وشُح فمن نفسك.
أصلح صورة الله في ذهنك ينصلح حالك في الدنيا و الآخرة و تنصلح نفسك ، أصلح معتقداتك والخلفية التي تنطلق منها أفكارك ، وأصلح سلوكك "سعيك" لأن التغيير اللي يُرجى حدوثه في الخارج "الواقع" يجب إن يحدث في الداخل "منظومة الأفكار والمعتقدات" وصدق الله عندما قال في كتابه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
حُسن الظن بالله من أعظم العبادات التي يمكن أن تجعل حياتك جنة على الأرض ولكن قليل من يمكنه ممارسة هذه العبادة.
أصلحوا صورة الله في أذهانكم وإسالوا الله المستحيل ، فالمستحيل عند الله مُمكن ، والمستحيل هو ما يكون غير قابل للحدوث بمقاييس العقل البشري ، لكن لا مستحيل مع قدرة الله المُطلقة فمن غير الصواب محاولة إدراك المُطلق "الله" بالمحدود "العقل البشري".
إسألوا الله أعلى حاجاتكم و سلوه بإسمه "الوهَّابُ" لأن الوهاب هو الذي لا يُعطي فقط ، بل يُعطي و يجودُ بالعَطاءِ ، وإسم الله الوهاب في القرآن الكريم إرتبط بتحقيق ما قد كان يُرى مُستحيلا.
عندما سأل النبي سليمان الله الملك الذي ينبغي لأحد من بعده (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) و كانت النتيجة أن وهب الله له والملك والعلم والحكمة، وسخر له الكون بكل ما فيه ، وأيضًا نبي الله زكريا، بلغ من العمر عتياً، وإمرأته عاقر، أي فكرة أن يكون له ولد مستحيلة بكل المقاييس البشرية ولكنه : (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلعَظمُ مِنِّي وَٱشتَعَلَ ٱلرَّأسُ شَيبا وَلَم أَكُن بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّا * وَإِنِّي خِفتُ ٱلمَوَلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمرَأَتِي عَاقِرا فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن ءَالِ يَعقُوبَ وَٱجعَلهُ رَبِّ رَضِيّا) و قد وهب الله له يحيى.
لا تتواضعوا في الدعاء بل عظموا المسائل كما أوصانا النبي محمد صلى الله عليه و سلم القائل: (إذا سألتُم اللهَ فاسألوه الفِردَوسَ فإنَّها وسطُ الجنَّةِ و أعلاها و فوقَها عرشُ الرَّحمنِ و منها تَفجيرُ أنهارِ الجنَّةِ).
اللهم إنا نسألك بإسمك الوهاب نعيم الحياة الدنيا ونعيم الآخره و نعيم قربنا منك و نعوذ بك من شقاء بعدنا عنك.
-محمد آدم