المشاعر في القرآن الكريم.
كتبه أحمد بن درويش الهادي.
*طالب إرشاد نفسي.
🔹️▫️▪️🔸️مرّ الأنبياء والرسل والصالحين والصالحات بالكثير من الإبتلاءات والمواقف في حياتهم ، وقد خلّد القرآن الكريم بعض هذه المواقف والقصص ، ليس هذا فحسب، بل أشار صراحةً إلى المشاعر التي مروا بها، وهذا دليل واضح على المكانة العظيمة للمشاعر الإنسانية عِند الله تعالى. فالحياة بلا مشاعر كالأرض بلا ماء.
ويُعلمنا القرآن الكريم التعامل السليم مع تلك المشاعر ، حيث لم يُعاتب أصحابها على إظهارها ، وهذه المواقف والقصص تُعطي من يتأملها ويتدبر معانيها قوة داخلية عجيبة، يقول سبحانه: { وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلࣲ لَّعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ }.
عندما مر الرسول ﷺ بمشاعر الضيق والحزن لم يُعاتبه الله تعالى ولم يقل له أنت نبي لماذا تشعر بهذه المشاعر ؟، إنما كانت المواساة الربانية ترافقهُ ﷺ، يقول سبحانه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ (٩٨) وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ (٩٩) }.
وفي موقف آخر نلاحظ المشاعر بصورة واضحة ومهذبه ، عندما قال سيدنا يعقوب عليه السلام لأبنائه حين أرادوا أخذ يوسف عليه السلام ، { قَالَ إِنِّی لَیَحۡزُنُنِیۤ أَن تَذۡهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَخَافُ أَن یَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ وَأَنتُمۡ عَنۡهُ غَـٰفِلُونَ } ، وهذه الآية توضح مشاعر الحزن والخوف.
وعندما مرّت السيدة مريم عليها السلام بحالة من الحزن ، لم يقل لها الله تعالى ، لماذا تحزني فأنتِ من خير نساء العالمين أو لا ينبغي أن تحزني وتشعري بهذه المشاعر ، إنما قدّر وراعى مشاعرها وطمئنها وخفف عنها ، يقول سبحانه: {فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَاۤ أَلَّا تَحۡزَنِی قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِیࣰّا } ، وتلك المشاعر التي مرت بها السيدة مريم عليها السلام مشاعر طبيعية نتيجة لما كانت تتوقعه من ردت فعل المجتمع التي تعيش فيه كتكذيبها واتهامها.
وبالفعل هكذا كان رد فعل قومها ، { فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُوا۟ یَـٰمَرۡیَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَیۡـࣰٔا فَرِیࣰّا (٢٧) یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا (٢٨) }، وهنا ألهم الله تعالى السيدة مريم بأن تشير إلى المولود وهو سيدنا عيسى عليه السلام، حيث أراد الله تعالى أن يكون هذا الإعجاز خالداً إلى يوم الدين، { فَأَشَارَتۡ إِلَیۡهِۖ قَالُوا۟ كَیۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِی ٱلۡمَهۡدِ صَبِیࣰّا (٢٩) قَالَ إِنِّی عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِیَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِی نَبِیࣰّا (٣٠) ...}
والسيدة مريم عليها السلام لها مكانه عظيمة عند الله ، ، فهي من المطيعات العفيفات، ومن ذوي النزاهة والعفة والأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، اصطفاها الله وطهرها على نساء العالمين ، يقول سبحانه {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}.
والقُرب من الله ليس له علاقة بالجمال أو النسب أو المال ، لأن هذه الصفات أغلبها ليست من إكتساب الإنسان ، إنما حصل عليها غالباً بدون اختياره ، فربما ورث المال والجمال ، أو ينتمي إلى أسرة ثريه أو نسب إجتماعي ، أما الميزان عند الله هو {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، أي ما اكتسبت واخترت من اعمال ، وما تحمله من تقوى وأخلاق الحسنة والصفات الحميدة.
دمتم في حفظ الله ورعايته سالمين غانمين
🤍الأثنين ١٦ جمادى الأولى ١٤٤٦هجري.
https://ahmeddarwishalhadi.blogspot.com/2024/11/blog-post.html