عبادة الرجاء..
.
.
عبادة الرجاء عبادة عظيمة، وليست عظمتها مقتصرة على ما تفيضه على المتعبد بها من الرضا والسعادة والطمأنينة، بل عظمتها ابتداء بما تقتضيه من قوة القلب وعظمة اليقين والتصديق بخبر الله عن ملكه وقوته وسلطانه وعلمه وحكمته واقتداره، وأن يغلب الإيمان بالغيب مشهود العين ومستحضر الحس.
.
فحين لا يرى ابن آدم ولا يسمع ولا يجد إلا ما يدعو إلى اليأس والقنوط، ويفرض على النفس الانكسار والحزن، ثم تجده مع ذلك كله يقدّم اليقين بوعد الله والرجاء في رحمته ونصره، تعلم أن الرجاء عبادة الأولياء الصِّدِّيقين، الذين صدّقوا محمدا صلى الله عليه وسلم يوم قال: (لا تحزن إن الله معنا).
.
إن عبادة الرجاء هي استعمال القلب في توحيد الربوبية، بتصديق أنه لا يكون في ملك الله إلا ما يشاء، وأن الذي يملي للظالم بقدر ما يشاء يأخذه حين يشاء، وأن الذي يعد للمجرمين عدا سيسوقهم إلى جهنم وردا، وأن الذي وعد الطائعين الصابرين الصادقين بالحسنى لا يخلف الميعاد، وأن من مات على سبيل التصديق ولم ير موعود الدنيا، عجّل الله له موعودا خيرا منه في دار كرامته.
.
إن الامتحان في باب الرجاء شديد، فإن الله تعالى قد حفّه بالمكاره، فأسأله سبحانه ألا يزيغ قلوبنا عن تصديقه، ولا يشغل نفوسنا بمكابدة ابتلائه عن ملاحظة حكمته، ولا يجعل مبلغ علمنا في الآلام الطارئة دون النعم السابغة فنكون من أهل الكُنود.
.
اللهم من جعلته محل البلاء فسُقه بالرحمة إلى جنتك، ومن جعلته محل الابتلاء فثبّته باليقين على هدايتك، ومن جعلته محل الرضا فعجل له آيات نصرك. اللهم وأنزل رحمتك على إخواننا المستضعفين، وردّ عنهم كيد الجبارين، اللهم إنا قد ضاقت بنا السبل، وانقطعت بنا الحيل، ولا حول ولا قوة إلا بك.
.