الشيخ محمد عبد الله دراز - رحمه الله- له كلمة مشهورة في كتابه الرائع" النبأ العظيم " يذكر فيما معناه أنه لو وُجد هذا القرآن مُلقى في صحراء ووقع عليه رجل وأخَذ يتأمله وينظر فيه لجَزم بأنه من عند الله تعالى وأنه ليس من كلام البشر.
ولا أعتقد أن مثل هذا يرجع إلى قضية البلاغة والنظم والبيان ونحو ذلك، وإن كان هذا هو مرجع الإعجاز الأشهر ويكاد يكون موضع اتفاق بين الكاتبين في هذا الشأن؛ بل لأن الأسلوب الشائع في القرآن الكريم هو أسلوب مُستعلٍ جدا يَدخل نفسَ القارئ منه خوف ورعبٌ شديدان، ويُحكم سيطرته عليه ويُحيط به من كل جانب ويملأ جوفَه خوفا ورهبة.
وذلك بسبب الثقة الشديدة، والقطع في مواطن غير مألوفة أبدا للقارئ وطَرْق موضوعات في غاية الجدّيّة والخطورة لم يألفها العربي من قبل.
ولك أن تصطفي مثلا الآيات التي تتحدَّث عن الظالمين والجَبَّارين وعن مصيرهم في الآخرة فإنك تجد عجبا وترى هَولا شديدا يسري في جنَبات نفسك من هذا الخطاب المُستقوي جدا والواثق من كلامه ثقة لا يمكن أن تصدر عن مدعي، خطاب مرعب يستخدم فيه كُليات وعموميات وإطلاقات ولا يبالي، يَعِد ويُوعد ويتحدّى ويُحدد المصائر ويُخبر بأنه لا يُعجزه أحد ولا يُرهبه مخلوق وأن الكل إليه وأنه الأول وأنه الآخر، وأن الكل مسؤول، وتفاصيل كثيرة على هذا النمط تحمل حملا على الإيمان كلَّ من كان له قلب أو ألقَى السمع وهو شهيد.
سامي معوض