سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " ينزه تعالى نفسه المقدسة, ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة, التي من جملتها أنه " أَسْرَى بِعَبْدِهِ " ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, " لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " الذي هو أجل المساجد على الإطلاق " إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " الذي هو من المساجد الفاضلة, وهو محل الأنبياء. فأسرى به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا, ورجع في ليلته. وأراه الله من آياته, ما ازداد به هدى وبصيرة, وثباتا, وفرقانا. وهذا من اعتنائه تعالى به, ولطفه, حيث يسره لليسرى, في جميع أموره, وخوله نعما, فاق بها الأولين والآخرين. وظاهر الآية, أن الإسراء كان في أول الليل, وأنه من نفس المسجد الحرام. لكن ثبت في الصحيح, أنه أسري به من بيت أم هانئ. فعلى هذا, تكون الفضيلة في المسجد الحرام, لسائر الحرم. فكله تضاعف فيه العبادة, كتضاعفها في نفس المسجد. وأن الإسراء, بروحه, وجسده معا, وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى, ومنقبة عظيمة. وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الإسراء, وذكر تفاصيل ما رأى, وأنه أسرى به إلى بيت المقدس, ثم عرج به من هناك, إلى السماوات, حتى وصل إلى ما فوق السماوات العلى, ورأى الجنة والنار, والأنبياء على مراتبهم, وفرض عليه الصلوات خمسين. ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم, حتى صارت خمسا في الفعل, وخمسين في الأجر والثواب. وحاز من المفاخر تلك الليلة, هو وأمته, ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل. ودكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن, ومقام التحدي بصفة العبودية, لأنه نال هذه المقامات الكبار, بتكميله لعبودية ربه. وقوله: " الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ " أي: بكثرة الأشجار والأنهار, والخصب الدائم. ومن بركته, تفضيله على غيره من المساجد, سوى المسجد الحرام, ومسجد المدينة. وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه, وأن الله اختصه محلا, لكثير من أنبيائه وأصفيائه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) رواه مسلم ، وأخرج الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله عز وجل : ( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء )
وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ) رواه أحمد . قال ابن حجر: " قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا
أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ( 122 ) ) .
هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا ، أي : في الضلالة ، هالكا حائرا ، فأحياه الله ، أي : أحيا قلبه بالإيمان ، وهداه له ووفقه لاتباع رسله . ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) أي : يهتدي به كيف يسلك ، وكيف يتصرف به . والنور هو : القرآن ، كما رواه العوفي وابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقال السدي : الإسلام . والكل صحيح .
( كمن مثله في الظلمات ) أي : الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة ، ( ليس بخارج منها ) أي : لا يهتدي إلى منفذ ، ولا مخلص مما هو فيه ، وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " كما قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ البقرة : 257 ] . وكما قال تعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) [ الملك : 22 ] ، وقال تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ) [ هود : 24 ] ، وقال تعالى : ( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير ) [ فاطر : 19 - 23 ] . والآيات في هذا كثيرة ، ووجه المناسبة في ضرب المثلين هاهنا بالنور والظلمات - ما تقدم في أول السورة : ( وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] .
وزعم بعضهم أن المراد بهذا المثل رجلان معينان ، فقيل : عمر بن الخطاب هو الذي كان ميتا فأحياه الله ، وجعل له نورا يمشي به في الناس . وقيل : عمار بن ياسر . وأما الذي في الظلمات ليس بخارج منها : أبو جهل عمرو بن هشام ، لعنه الله . والصحيح أن الآية عامة ، يدخل فيها كل مؤمن وكافر .
[ ص: 331 ] وقوله تعالى : ( كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ) أي : حسنا لهم ما هم فيه من الجهالة والضلالة ، قدرا من الله وحكمة بالغة ، لا إله إلا هو ولا رب سواه .
قال ﷺ :(بشروا المشائين في الظُلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) أبوداود قال العلماء: وهذا الفضل ثابت إن شاء الله لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة ولو كانت الطرق مضاءة لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل .
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) } [الغاشية] قال السعدي في تفسيره: وأما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة { {نَاعِمَةٌ } } أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، واستنارت وجوههم، وسروا غاية السرور. { {لِسَعْيِهَا } } الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، { {رَاضِيَةٍ } } إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه، وحصل لها كل ما تتمناه. وذلك أنها { {فِي جَنَّةٍ} } جامعة لأنواع النعيم كلها، { {عَالِيَةٍ } } في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة. { {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} } أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي: حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة. { { لَا تَسْمَعُ فِيهَا } } أي: الجنة { { لَاغِيَةً} } أي: كلمة لغو وباطل، فضلًا عن الكلام المحرم، بل كلامهم كلام حسن [نافع] مشتمل على ذكر الله تعالى، وذكر نعمه المتواترة عليهم، و[على] الآداب المستحسنة بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، ويشرح الصدور.
الظرف الذي تعيشه أمتنا ظرف أستثنائي ويحتاج إلى رجال من طراز خاص حتى يغيروا هذا الواقع المرير وينتشلوها من الذل الذي أصابها منذ عقود ومن أهم صفاتهم التعلق بالله والتوكل عليه والتضحية في سبيل الله ولايخافون لومة لائم