"أظن أنني نضجت بما فيه الكفاية على القلق بشأن من يحبني ومن لا يحبني،من يفهمني ومن لا يفهمني،فلديّ أشياء أكثر أهمية لأعتني بها،إذا كنت تحبني فأنا أحبك،وإذا كنت تدعمني فأنا أدعمُك،أما إذا كنت تكرهني وتحاول إحزاني بشتى الطُرق فهذا لا يُهمني في الحقيقة،ستستمر الحياة معك أو بدونك"
" إنَّ طَيْرَ الجَنَّةِ كأمثالِ البُخْتِ، تَرْعى في شجَرِ الجَنَّةِ. فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه لَطَيرٌ ناعِمةٌ، فقال: أَكَلَتُها أَنْعَمُ منها، قالها ثلاثًا، وإنِّي لَأرْجو أنْ تَكونَ ممَّن يأكُلُ منها يا أبا بكرٍ "
رواه أحمد
أخبرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن طيور الجنة كأمثال حجم الإبل ، ومع ذلك فهي ناعمة الملمس والمظهر من جمالها وحركتها وطيبها وطعمها ، والمؤمن سيكون أنعم ملمساً ومظهراً وترَفاً من هذه الطير الضخمة !!
فأيّ نعيم قد أعدّه الله لأهل الجنّة في صورهم وأشكالهم ونعومتهم ونعيمهم وطعامهم وشرابهم وقصورهم وحورهم وأنهارهم ..
قال الله تعالى عن ذي القرنين :" قال ما مكنّي فيه ربي خيرٌ "
ورسالة سورة الكهف من هذه الآية مفادُها ؛
أنّ الله أودع في كل إنسان نقاط قوة ، وهذه النقاط قد تكون في دينه أو علمه أو خلُقه أو ماله أو بدنه ، أو في ما حباه الله من صوت فيسخّره في طاعة الله ، وقد تكون قوته في برّه لوالديه ، أو السعي في مصالح الوطن الذي يعيش فيه ويأكل من خيره ، أو السعي في مصالح العباد وتفريج كرباتهم وقضاء حوائجهم ، أو غير ذلك مما رزقه الله من مواطن القوة ..
وأمر ذي القرنين عجيب في صفتين:
الأولى : أنه نسب الفضل لله وحده فقال " ما مكنّي في ربي "
فلم يتفلسف ويدّعي أنه اشتغل على نفسه وطوّرها وتعِب ، وكأنه ينسب الفضل لقدراته الخاصة فيُشابه قارون الذي قال " أوتيتُه على علمٍ عندي " !! بل لولا فضل الله عليه لما كان شيئاً يُذكر ..
والثانية : أنه أدرك أن ما أعطاه الله له هو الخير
ولو أن كل إنسان أدرك نقاط قوته وترك ما سواها من الأمنيات الفارغة والأحلام البعيدة لاستراح ونجح في حاضره ومستقبله ، إذ أغلب الناس اليوم يبحث عما لا يملك وينسى ما يملك ، وهو كثير ، فما خلق الله إنساناً إلا وسخّر له من مقومات حياته ما يحيا به راضياً سعيداً ..
فالتَفِتْ إلى نفسك ، وتعرّف على ذاتك ، وانظر ما وهبك الله من القوة أياً كانت ، وَسخّرها فيما يحبّه الله .. فتلك حياتُك ، وذاك هو أنت ..
ثقْ أنّ ما وهبك الله من القوة المعنوية أو الحسية حين تكتشفها في نفسك قد يكون مفتاح بابك إلى الجنّة .. ولن تشكو بعدها من فراغ يستفزّك ولا اكتئاب يقضّ مضجعك ولا حُزن يُخيّم على ربيع حياتك الجميل ..
فالله جميل ولا يأتي منه إلا كلّ جميل ولو كان في ظاهره غير ما تُدرك ..
وهَب الله تعالى سليمان عليه السلام المُلك وسخّر له الريح تجري بأمره حيث يشاء ، وسخّر له الجنّ يسوقهم بِمَنْسَأتِه الخاصة ، ثم يصفه الله تعالى بعد هذا المُلْك العظيم بأنه .. " نِعْمَ العبد إنه أوّاب "
ثم ابتُليَ أيوب عليه السلام بالمرض بلاءً عظيماً حتى هجَره القريب والبعيد واستقذر منه الناس .. ثم قال الله عنه .. " نِعْم العبد إنه أواب "
القضية ليست في مُلك سليمان ولا في فقر أيوب .. ليست فيما مَلكتَ أو فيما فَقدتَ .. ليست في حُبّ التجارة واستثمار الأموال ولا في الزهد فيهما فحبّ المال فِطرة وحيازته قوّة وامتلاكه خير على خير
بل في قلبك حين تُبتلى بالغِنى أو الفقر ! أو الصحة أو المرض ! أو العطاء أو السّلْب ..
في الغِنى والعطاء قلبُك مع الله وفي الفقر والمرض قلبُك مع الله
الله تعالى هو مَن يُعطي ويمنع ، وهو مَن يخفض ويرفع ، وهو مَن يقدّم ويُؤخر ، وهو مَن يشفي ويبتلي .. وأنت تنساق مع القدَر حيث ساقك بكل رضا ..
فتلك عبودية القلب التي أثنى الله بها على سليمان وأيوب عليهما السلام ..