وهذا الصراط المستقيم : صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير صراط المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم، وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى ونحوهم .
فهذه السورة على إيجازها، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية يؤخذ من قوله : رب العالمين، وتوحيد الإلهية، وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ الله ومن قوله : (إياك نعبد) ، وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات صفات الكمال الله تعالى التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه، وقد دل على ذلك لفظ (الحمد) كما تقدم.
وتضمنت إثبات النبوة في قوله : اهدنا الصراط المستقيم لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة .
وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله : مالك يوم الدين ، وأن الجزاء يكون بالعدل، لأن الدين معناه الجزاء بالعدل .
وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافاً للقدرية والجبرية ؛ بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله : اهدنا الصراط المستقيم لأنه معرفة الحق والعمل به، وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك .
وتضمنت إخلاص الدين الله تعالى عبادة واستعانة في قوله : إياك نعبد وإياك نستعين فالحمد لله رب العالمين.