أبو ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد، أدرك الجاهلية وأسلم فحسن إسلامه ومات في غَزَاة إفريقية. كان شاعراً فحلاً لا غميزة فيه ولا وهن؛ قال حسَّان -رضي الله عنه- أشعرُ الناس حيًّاً هُذيل، وأشعرهم غير مدافع أبو ذؤيب، وكان له أولادٌ سبعة فماتوا كلُّهم في عامٍ واحدة إلا واحداً، فقال يرثِيهم:
أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ وَالدَّهْرُ ليس بِمُعْتِبٍ من يجزعُ
قالت أُمَيْمَةُ ما لِجِسْمِكَ شَاحِباً منذُ ابْتُذِلْتَ ومِثلُ مَالِكَ ينفعُ
وهذا البيت الأخير قد بلغ الغاية في المبنى والمعنى. قال أبو العَيْناء: سمعت الأصمعي يقول: هو أصدقُ بيتٍ قالته العرب. وقال أبو عمرو بن العلاء: ما قالت العرب بيتاً أبدعُ منه.
من فنون الادب . كان العرب يتفننون في الأدب وينشئون أبناءهم عليه ومن فنون الأدب (اختيار اللفظ المناسب) حتى قالوا لكل مقام مقال . فيقال للمريض معافى وللأعمى بصير وللأعور كريم العين وكان هارون الرشيد قد رأى في بيته ذات مرة حزمة من الخيزران فسأل وزيره الفضل بن الربيع ما هذه ؟ فأجابه الوزير: عروق الرماح يا أمير المؤمنين . أتدرون لماذا لم يقل له إنها الخيزران ؟ لأن أم هارون الرشيد كان اسمها (الخيزران) فالوزير يعرف من يخاطب فلذلك تحلى بالأدب في الإجابة . وأحد الخلفاء سأل ابنه من باب الاختبار ما جمع مسواك ؟ فأجابه ولده بالأدب الرفيع : (ضد محاسنك يا أمير المؤمنين) فلم يقل الولد (مساويك) لأن الأدب قوّم لسانه وحلّى طباعه . ولما سئل العباس رضي الله عنه أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب العباس قائلاً:( هو أكبر مني وأنا ولدت قبله) . ما أجملها من إجابة في قمة الأدب لمقام رسول الله عليه الصلاة والسلام . فعلينا أن نعير اهتمامنا لهذا الجانب من الخلق والأدب في الإجابة حتى نضمن جيلاً "راقياً" في فنون الإجابة .