٧/ المُلاحظة الخطيرة التي تُثير الإِهتمام والفضُول هي أَنَّهُ في بلادِ ما بين النَّهرَين شُيِّدت عدَّة حَضارات وليست حَضارة واحدة، والغريب في ذلك هو أَنَّ كلَّ حَضارةٍ قضت على الحَضارة التي قبلها، وفِي بعضِ الأَحيان كانت تَستعين بالأَجنبي لتدمير الحَضارة القائِمة قبلَ أَن تحِلَّ محلَّها!.
بمعنى آخر؛ أَنَّ حَضارات بلاد ما بَبن النَّهرَين لم تتكامل مع بعضِها وإِنَّما كانت كلَّ واحدةٍ منها تُشيِّد نفسها بنفسِها فلا تجد إِحداها نفسها إِلَّا بتدميرِ أُختها!.
ومنذ ذلك الْيَوْم وإِلى الآن فإِنَّ صِراع الحَضارات والنُّظم السياسيَّة قائمٌ في بلادِ ما بَين النَّهرَين ولذلك لم يتراكم عندنا شيءٌ أَبداً، لا الحَضارة ولا الخِبرة والتَّجربة ولا البناء والمدنيَّة والنُّهوض ولا النِّظام السِّياسي!.
هذا أَمرٌ ينبغي أَن نتوقَّف عندهُ كثيراً لندرسهُ دراسةً مُعمَّقةً وحقيقيَّةً بعيداً عن المُجاملات والشِّعارات والأَوهام والفَخر الكاذِب والمُضلِّل، حتى نوقفَ هَذِهِ المهزلة ولا تستمرَّ عليها الأَجيال القادِمة!.
وبرأيي وبعجالةٍ فإِنَّ السَّبب الرَّئيسي لهذهِ الظَّاهرة الفريدة من نوعِها هو عدم قُدرة سُكَّان بلاد ما بين النَّهرَين على التَّعايش مع بعضهِم، لأَنَّهم لا يعترفُونَ بالتنوُّع ولذلك نُلاحظ أَنَّ الصِّراعات الداخليَّة الأَزليَّة مُستدامة وهي السِّمة التي تتَّصف بها [شعُوب] هذه الأَرض!.
كما أَنَّ الطَّبيعة العُنفيَّة والتشدُّد حدِّ التزمُّت الذي تتَّصف بهِ شخصيَّة المُواطن في بلادِ ما بَين النَّهرَين سببٌ مهمٌّ بهذا الصَّدد.
حتَّى اليَهود الذين عاشُوا على هَذِهِ الأَرض أَكثر من [٢٥٠٠] سنة وكتبُوا فيها توراتهُم بنُسختِها المُعتمدة لحدِّ الْيَوْم والذين كانَ لهم الدَّور الأَبرز والمِفصلي في تأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة عام ١٩٢٠، تمَّ طردهُم منها عن بِكرَةِ أَبيهم، بعدَ أَن كانُوا يشكِّلون الأَغلبيَّة في العديدِ من المُدُن والبلدات مثل زاخو في أَقصى شِمال البِلاد.
أَمَّا الآشوريُّون والكِلدان الذين نتغنَّى الْيَوْم بحضاراتهِم فقد تعرَّضُوا إِلى ظُلمٍ كبيرٍ إِضطرَّهم إِلى هجرة أَرض الأَجداد وكادُوا أَن ينقرضُوا فيها كذلكَ، فيما كان ينبغي أَن يُكرمُوا كرامةً للحَضارات العظيمة التي بنَوها!.
وهذهِ واحدةٌ من تناقُضاتِ هَذِهِ الأَرض؛ تُكرِّم الحِجارة وتقطع اليدِ التي شيَّدتها والإِنسان الذي رعاها!.
٨/ وأَخيراً؛ فإِذا أَردت أَن تعرف مدى وعي الشَّعب، أَيَّ شعبٍ، لحَضارتهِ وروحها وقِيَمها، وحجم اهتمامهِ بها واحتضانهِ لها فانظر إِلى حجمِ الإِضافات التي يُضيفَها كلَّ جيلٍ من الأَجيال.
فالشُّعوب الحضاريَّة هي التي تتغنَّى بالتَّاريخ وتُضيفُ عليهِ فلا تتوقَّف عندهُ، أَمَّا الشُّعوب غير الحضاريَّة فتتغنَّى كذلكَ بتاريخِها ولكنَّها تتوقَّف عندهُ فلا تُضيفُ لهُ شيئاً أَبداً، وقد تأكلُ من جُرفهِ!.
العراقيُّون أَكثر شعُوب العالَم تداوُلاً لمُصطلح [العهدِ البائِد] فكلُّ جيلٍ هُوَ [عهدٌ بائِدٌ] للجيلِ الذي يليه!.
...والى متى؟!.
٥ تمُّوز ٢٠١٩
*هذا المقال كتبتهُ العام الماضي، ولأَسبابٍ فنيَّةٍ قاهرةٍ لم يُنشر وقتها، ولأَهميَّتهِ إِرتأَيتُ نشرهُ اليَوم لمُناسبةِ مرورِ عامٍ على الحدث الهام.
لِلتَّواصُل؛
E_mail:
[email protected]Face Book: Nazar Haidar
Twitter:
@NazarHaidar2Skype: nazarhaidar1
WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920
*التلِغرام؛
https://t.center/NHIRAQ*الواتس آب
https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfh