الدعوة إلى دين الله شرفٌ عظيم، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله﴾ أَيْ: دَعَا عِبَادَ الله إِلَيْهِ، ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أَيْ: وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ بِمَا يَقُولُهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَأْتُونَهُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، بَلْ يَأْتَمِرُ بِالْخَيْرِ وَيَتْرُكُ الشَّرَّ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ (انتهى).
فلا ينبغي أن يُدنّس هذا الشرف بجعل الدعوة إلى الله وسيلة لإرضاء السلطان أو تحصيل الأموال أو صرف وجوه الناس إليه ومنعهم عن غيره من أهل الفضل.
فمن صفّى صُفّي له، ومن خلّط ومزَج= وَجَد أثر ذلك في الدنيا والآخرة.
واعلم أن أهل المال والسلطة يعلمون شرف الدعوة وأثرها في قلوب الناس، فيُصيبون من الدعاة ويستغلون أثر دعوتهم؛ لتنفَق سلعتهم ويبقى سلطانهم، فيتحول الداعية -بشهرته التي اكتسبها من شرف الدعوة- إلى بوق لأهل السلطة أو مصدر دخل لأهل المال، عصمنا الله من الفتن.
ولذلك حذّر الوحي من كثرة خُلطة أهل الترف؛ فإنهم إما أن يحرقوا ثيابك التي أُمرت بتطهيرها، أو تجد منهم ريحا خبيثة تعمي بصرك عن رؤية حقائق الوحي؛ فتنكر ما كنتَ تعرف، وتلك هي الفتنة.