هدى للناس _٣
عـلـّم الـقـرآن الناس وأيقظهم، وفهموا أن أعظم مسؤولية دينية ملقاة على كواهلهم هي أن عليهم قبل كل شيء أن يجتثوا عوامل الانحطاط الفكري في المجتمع من جذورها، وإنه بدلاً من المناقشات حول العلاقة بين ذات الله وصفاته واكتشاف باب آخـر مـن أبواب الطهارة والنجاسة، عليهم أن يحملوا السلاح ويقوموا بطرد الاستعمار الفرنسي . .
وهكذا فعلوا.. ورأينا أن «الجماهير الأسيرة دينياً» قد اسـتـيـقـظـت وبـدأت الـجـهـاد بـقـوة الـديـن ودعـوة الـقـرآن، وعاد «المفكرون العلمانيون» الذين كانوا يرون الدين والإسلام وشكله القديم فتهربوا منه وآمنوا بمدارس فكرية وأيديولوجيات أخرى . . واضطروا إلى الانفصال عن قلب الناس المتدينين، وأصبحوا بالنسبة لأنفسهم «شريحة ساقطة من جسد المجتمع»، عادوا إلى الإسلام وإلى المسلمين معاً وآمنوا والتحقوا بالجماهير..
ومن هنا نجت الجماهير من الجمود والتعصب ونجا، المفكرون من التغرب..بالعودة إلى الإسلام!
ومن هنا قال الجنرال سوستيل الذئب المتوحش للاستعمار الفرنسي في أفريقيا: «إن القرآن ليس كتاباً دينياً.. إنه كتاب علماني!.
إنه بدلاً من أن يدعو إلى الزهد والعبادة والسلام والعفو والتفكير في الأسرار الميتافيزيقية.. يـدعـو العرب إلى الحرب والنصر والانتقام والتمرد والاستيلاء على العالم وأخذ الغنائم . . ولا يوجد كتاب يستطيع أن يحرض الجماهير الفقيرة وعامل مؤثر فيه مثل القرآن، بكلماته الساحرة وموسيقاه حماسية الجرس، ولا يوجد كتاب أقدر منه على إثارة النخوة والرغبة في الانتقام والهياج السياسي» ! !
وقد سمعتم أن «جلادستون» رئيس الوزراء اليهودي الذي منح الاستعمار الإنجليزي الروح ـ قد ألقى بالقرآن على المنصة بغضب في مجلس العموم الإنجليزي وقال : ما دام هذا الكتاب موجوداً بين المسلمين فمن المحال أن يسود الهدوء والطاعة للاستعمار الإنجليزي في الأراضي الإسلامية .
«فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»
يقول ول ديورانت (مؤرخ الحضارة المعروف ):
إذا قورنت هذه الآية من القرآن بعبارة الإنجيل "من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر " تبين أن القرآن يعلم أخلاق الرجولة بينما يعلم الإنجيل أخلاق الأنوثة» .
حيث تحدث عن الأسلوب الأخلاقي والاتجاه الخاص لدعوة القرآن ويبين مم كان يتألم الجنرال «سوستيل» وأي دين كان يريد له أن يتواجد في المجتمعات الأفريقية ..
يقول ول ديورانت : «لا يوجد نبي قط حرض أتباعه على القوة ورغبهم فيها بقدر ما فعل محمد »
فلا جدال أن نبينا ليس مثل نبي المسيحية الكاثوليكية الرومانية ( إنني أقصد النبي الذي يدعو إليه المسيحيون الآن وهو من صنع الأقوياء الرومان لتبرير استعباد الجماهير،والا فإن نظرة المسلمين بالنسبة للمسيح الحقيقي متميزة تماما) الذي يدعو إلى المحبة بين الظالم والمظلوم والمستعمِر الروماني والمستعمَر الفلسطيني..
ويريد بعدة نصائح - تصلح كموضوع للإنشاء - أن يقف في مواجهة الإمبراطورية الوحشية العسكرية ويخلص الجماهير الذليلة!
و لكن رسولنا هو رسول السيف في مواجهة الجريمة والخيانة ورأينا .. ذلك السيف الذي أخذ به بني قريظة جماعة جماعة وألقى برممهم في البئر .. منذ أن وضع ذلك السيف في غمده يقومون بذبحنا جماعة جماعة وإلقائنا في البئر ..
«نبي السيف» أو على حد تعبیر رودنسون «نبي مسلح» إنه يستخدم هذا الوصف مهاجمة، ونحن نستخدمه للمفاخرة، هذا هو رسول دیني، هو رسول القوة ورسول العزة .
هذه الشتائم على ألسنة الأعداء الواعين العارفين الذين جربوا قبل كل إنسان أثر هذا الكتاب على الفكر والاحساس والمجتمع الإنساني ـ في تلك السنوات التي لم يكن المسلمون قد عرفوا هذا
بعد ـ
يعد رأيهم بشأن أرضية الدور الاجتماعي والفكري للقرآن في يقظة المجتمعات وحركتها وعزتها ونجاتها، هو أكثر واقعية وأكثر قابلية للتسليم والتصديق من نظريات المفسرين والعلماء . .
هذا لانهم أعداء بعيدون عن التعصب (للقرآن)، كما أنهم رجال مجتمع وسياسة وعلى صلة بالعمل والواقع . . وهم أيضاً بعيدون عن المفاهيم الانتزاعية والخيالية .
_د.علي شريعتي
_M