هدى للناس_٢
لقد بدأت اليقظة وحركة التحرير المضادة للاستعمار في شمال أفريقيا تماماً يوم أن جاء محمد عبده والذي كان شعاره عودة كل المسلمين إلى القرآن
فجمع كل علماء الإسلام ودعاهم قائلاً : بدلاً من الاستغراق في الفلسفـات الـقـديـمة والاقتصار على الفقه والأصول وطرح قضايا بشكل مبالغ فيه في الأحكام الفرعية . . إذهبوا إلى القرآن، واستمدوا العون من كل العلوم القديمة والجديدة، الاسلامية وغير الإسلامية من أجل الفهم الصحيح الخالص لهذه «الرسالة»، وجاهدوا حتى يتعرف الناس الموبوءون بوباء الاستعمار والمتدينون أسرى الخرافة والفرقة وضيق النظر والتعصب والجهل ـ يتعرفوا ـ على القرآن . .
اطرحوا القرآن سواء في حلقاتكم العلمية الدينية..وسواء على ألسنة العوام وفي مستوى أفكار العوام .
ومنذ ذلك الوقت، طـرح الـقـرآن مـرة ثانية في مجتمع المسلمين، وفي الحلقات الدراسية عاد تدريس القرآن، وبين العلماء الدينيين عاد البحث في القرآن وتفسيره، وفي محافل المفكرين والمناضلين طرحت القضايا القرآنية، وحتى في كتاتيب القرآن عاد تعليم القرآن وتحفيظه . .
واتسع في صورة برنامج حاسم حيوي وأصيل، وكانت نتيجة هذه المبادرة، أن الدين وشعائر الدين والعقائد الرائجة التي كانت حتى ذلك الوقت تخدر الأفكار وتجعل الناس غافلين عن شؤم مصيرهم ـ أي الوقوع بين براثن الفرنسيين - وتجرهم إلى أوهام وعقد قديمة وخلافات فرعية ومصادمات طائفية وتعصب جاهل.. صارت بهداية القرآن عاملاً من عوامل اليقظة وإيجاد المسؤولية والوعي الذاتي والقوة والوحدة .
وقبل ذلك، كان المتدينون - تحت نير الاستعمار - يذهب كل منهم نحو الدين والشعائر الدينية حتى يتجاوز لهم الله عن ذنوبهم الفردية ويغفر لهم، وكانوا يجاهدون عن طريق العبادة في الحصول على ثواب الآخرة كأفراد بينما كان الجنرال «آرجو» والجنرال «سالان» قد أذلا كلاً من الجزائر وتونس ومراكش وموريتانيا تحت نير الاستعمار الفرنسي اللا إنساني، وأخذوا في نهب ثروتهم وعزتهم وثقافتهم
كان المؤمنون في نفس تلك الأيام السوداء في أوضاع الذلة المجللة بالعار، كلهم مشغولين بالذكر وأمور الخير الفردية لكي يصلوا إلى حريتهم ونجاتهم من نار الجحيم، ويظفروا بالنجاة بعد الموت!!
لكن بمجرد أن عاد القرآن من رفوف التقديس إلى مسند التعليم والتفكير، علمهم أن طريق الخلاص في الآخرة هو الخلاص في الدنيا، وطريق جنة المسلمين يمر بحرية المسلمين ويقظتهم وعلمهم، وأن كل من يموت هنا ذليلاً يبعث هناك أيضاً ذليلاً ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا وعـلـمـوا أن الـسـبـيـل إلى التقرب من الله في الإسلام هو «التعقل» لا «التعبد» وإن العابد غير الواعي والجاهل هو حمار في طاحونة يدور ويدور ولا يبرح مكانه!!
يتبع..
_M