جواب اعتراض: كروية الأرض مشكوك فيها على أصولكم في فلسفة العلم
أقول: وهذا من المخالف سوء فهم لكلامنا أو لأدلة كروية الأرض! ولكننا قوم كرماء معرفيا، ولأجل ذا أتبرع بالجواب:
وسأعيد تقريرنا وأبين عدم اللزوم. نحن نقول كما في منشور سابق لي: "النظرية التفسيرية إن لم يكن لها مستند من العادة (في دلالة المشاهدة على التفسير)، لزم الدور المنطقي؛ بأن يكون دليل التفسير هو المُفسَّر. فلا يكفي اتساق النظرية مع المُفسر فقط، بل لا بد من نوع تلازم بين المشاهدة والتفسير، وهذا التلازم إنما يُعلم بالعادة كما في مثال البلل والمطر؛ فإن انتفت العادة انسد باب الوصول إلى نظرية تفسيرية صحيحة".
وبيان عدم لزوم ذلك لنا في أمر كروية الأرض من وجوه:
- الأول: أن كلامنا عن ما تكون دلالته (أي التلازم المُفسَّر والتفسير) عادية، فإن انعدمت العادة انعدم الدليل. وفي أدلة كروية الأرض ما يعتمد على دلالة عقلية أصلا، فالتلازم المطلوب إثباته في الكلام المتقدم ثابت عقلا بالفعل؛ وأعني بذلك: الأوصاف اللازمة عقلا للشكل الهندسي الكروي.
فمن ذلك: أن أي جسم كروي، كل نقطة على السطح تبعد مسافة متساوية (equidistant) عن المركز. والقياسات الجغرافية للأرض (مثل نصف القطر عند القطبين وعند خط الاستواء) تؤكد أنها متساوية تقريباً، وهذا لأن الأرض ليست كرة مثالية.
وأيضا: يلزم عقلا من كون الجسم كرويا، أن يكون مسار المرور على سطحه دائريا. وعند النظر إلى الأفق من نقطة مرتفعة (مثل جبل أو طائرة)، يبدو الأفق دائرياً. هذا الشكل الدائري يتفق حصراً مع الهندسة الكروية، لأن أي خط نظر على سطح كروي يقطع جزءاً من دائرة.
وأيضا: في أي جسم كروي، يلزم عقلا أن تكون الزاوية بين: ١ شعاعين ينطلقان من مركز مشترك، و٢ يقطعان نقطتين مختلفتين من سطح الكرة = أن تختلف هذه الزاوية (تُسمى الزاوية المركزية) باختلاف المسافة بين النقطتين على السطح. ومرصود أن اختلاف زاوية سقوط أشعة الشمس في مدينتين على الأرض يتناسب مع المسافة بينهما.
والغرض ضرب الأمثلة فقط وليس الاستقصاء، وفي مثال حركة الأرض لا يوجد ربع دليل حتى يعتمد على دلالة عقلية.
- الثاني: أن حتى الأدلة التي تعتمد على دلالة عادية، مثل دلالة الظل الدائري على كروية الجرم لا يلزمنا اطراحها على تأصيلنا، وذلك أن لدينا استقراء لأثر طبائع الأشياء في الخارج على الكرات؛ والقياس عليها وإن كان من وجه دون وجه، إلا أنه يفيد معرفة ظنية. بخلاف حركة الأرض التي لا استقراء لنا لجرم كروي ضخم يتحرك، وأثر ذلك في الموجودات داخله؛ بل وليس في عادتنا نظير لهذا المثال حتى يقاس عليه أصلا.
- الثالث: أن شكل الأرض مرصود أصلا (ورصده علم متواتر لا ينكره إلا مجنون)، بخلاف الحركة التي لا يمكن رصدها إلا بالتنسيب إلى نقطة مرجعية يتم تحديدها حسب النموذج المتبع، وهذا قد صرح بالتكافؤ فيه وعدم إمكان حسم الحس المباشر فيه أينشتاين شخصيا!
انظر: Einstein, A., & Infeld, L. (1966). Evolution of physics. Simon and Schuster.
فدعوا التعالم يا هداكم الله، فإن كنتم صيادلة، فتخصصاتنا إلى الفيزياء والرياضيات أقرب منها منكم.
#فلسفة_العلم