{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ } شرط فيها أن يأتي بها العامل، لأنه قد يعملها، ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه أو يبطلها، فهذا لم يجيء بالحسنة، والحسنة: اسم جنس يشمل جميع ما أمر اللّه به ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله تعالى وحق عباده، { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } [أي: أعظم وأجل.
ولأنَّ الله يختارُ لك الخير، مهما بدت قُشورُ الخطوب مهلكَة، الخيرُ يُساق لك بسبلٍ شتَّى لا نعلمُها، والنَّوائب تأتي بالرِّضا والجَبر بين طيَّاتها ولو كان ظاهرُها خسران بيِّن، ومن يتوكَّل على الله فهو حسبُه، ومن يُحسنِ الظَّنَّ ينَل من إحسانِ الله له ما تقرُّ به عينه!
يأتِ بها الله ، وإن بعُد المنى وتقطعت الأسباب، يأتِ بها الله وإن دنا اليأس وتوارت الآمال، يأتِ بها الله غيثًا ورحمة وإن دنا الجدب وعزّت النضرة، يأت بها الله فجرًا وإشراقًا وإن غاب النور واستبدت الحلكة، يأت بها الله فرجًا من بعد كرب ويُسرًا من بعد عسر وسرورًا من بعد حُزن.
من رسَخت في نفسه عقيدة القضاء والقدر، ووجد حُسنُ الظنِّ بالله في داخله صدرًا رحبًا، سيوقن بأنَّ الرحمن أرحم من أن يخلق عباده ليتيهوا في الأرض، ويهيموا من وادٍ إلى واد، فقد كفِل لكل نفس حظها من الرزق، ونصيبها من السعادة، وقسمتها من جمال الحياة