كان البكاء هو الشيء الوحيد الذي فعلَته خلال الساعات السابقة ..
كان كُلُّ ما يجول بخاطرها هو ما حدث وما ردّة فعل أصدقائها ، وكيف ستواجههم ، ثم لتتخبَّط الأفكار مجدداً وتستذكر وجود جيمس المفاجئ ، والخطة التي فشلت ، والفوضى التي حلّت ، لتعود بذاكراتها الأيام التي عانتها ، ثم تعود لتجلس وتنظر بأطراف المكان ، وكأنها تقول لها أنّها تعتذر لأنها تركتها وحدها كل تلك المدّة ، وتعود بذكرياتها للأيام التي عاشتها في منزل الشجرة هذا ..
قبل سبع سنوات
" أميسا في عمر الـ 20 " ...
كنتُ اجري مُسرعةً نحو الغابة ، لا أذكر أني كنتُ أشعر بقدماي من شدّة الألم ، كان الجو بارداً وكنت أركضُ بأقصى سرعتي ، كنت أهرب!
كنت أهرب من حياتي ، وكأنني أبحث عن أي مجرى يأخذني من الجحيم الذي أعيش به ، ذاك الجحيم الذي يظنّه الكثيرون أنّه جنَّةٌ بالنسبة لي ، حياتي داخل منزل عمي كيرل ، ولقاء المدعو جيمس كل نهاية شهر لتلقي عقاب استنكاري لعمي ، حتى عمي كان يخشى جيمس ، ذاك الشخص الذي لن أتصوّر مطلقاً أنني سأفكر في عدم قتله ، ربما شكَّلَ لي رعباً حقيقياً كما فعلَ مع عمي ، لكنني مللت من فكرة تعايشي للألم ، كنت ادرس ونجحت فعلاً بعد معاناةٍ لا أدري كيف خرجتُ منها حيّة ، لم أعلم لما ولدت في مكانٍ مليء ٍ بالظلم ، في مجتمعٍ يستحق أن يشتعل وسط الليل ، لا أنكر أني فكرت بشيء كهذا ، إلّا أن ضميري لم يسمح لي ، فمَن يعيشون هنا يخضعون للظلم والاحتيال والكذب أيضاً مثلي، لذلك ركضت بسرعة ،لم يعنيني الصقيع أو الألم ، لم أهتم لو توقف قلبي بسبب الركض بسرعة ، كان همي الوحيد أن أبتعد عن هذه الحياة وأن لا يجدني أحد ، هربت ، ووصلت الى ملاذي ..
قادتني قدماي نحو شجرةٍ ضخمةٍ وسط غابةٍ في أقاصي المدينة ، صعدت إليها وجلست على أحد فروعها الكبيرة ، تلألأت الدموع في عيني قبل أن تسبقني السماء وتنهال دموعها قبلي ..
اختبأت بين أوراق الشجرة ، ودموعي هزمتها الجاذبية وبدأت تتساقط تزامُناً مع المطر ، كدتُ أن أتجمّد لولا أنني لففت وشاحي الأسود حولي ، كانت ليلةً مع كلِّ أنينها إلّا أنني شعرتُ بالحريّة ، وعاهدت نفسي أن لا أعود للسكن مع عمي ، تسللت في الصباح التالي لمنزل عمي دون أن يراني أحد، وأحضرت بعض لوازمي إضافةً لأشيائي الخاصة ، حملتُ أيضاً ما استطعت حمله من طعامٍ ريثما أتدبّرُ أمري ، عدتُ للغابة ، وبدون أي قرار وجدت نفسي ، أصنع منزلاً على الشجرة كما اعتدت على صناعته مع والدتي في أعياد ميلادنا عندما كنت طفلة ، طالت الأيام وانهيت بناء المنزل ورتبت أشيائي به ، وبدأت اذهب للقرية القريبة من المدينة لتعليم الاطفال فأحصل على أجر ٍ يكفي قوتَ يومي ..
ومع مرور الأيام لَم أكتفي بتدريس الأطفال ، بل عملت أيضاً في مجالي بالتكنولوجيا بتصميم بعض الألعاب الالكترونية في أحد المحلّات ، كان أجري أفضل من سابقه ، لكنني لم أعمل إلا شهراً واحداً ، فالأمر لَم يناسبني ، فلجأت إلى الذهاب نحو المدينة وحرصت أن لا ألتقي بأحد معارفي ، وسِرتُ في مناطق أُدرِك جيّداً أنَّ عمي لن يتواجد بها ..
كان هذا العمل هو الشيء الذي أبحثُ عنه ، إنّه عمل خاص لم نأخذ عن مجالاته أثناء دراستي ، اختصَّ العمل على اختراق الشبكات وبعض البرمجات ، كان ذلك العمل سبباً لتقدّمي وزيادة معرفتي ، ولا سيّما أنني قابلت الثنائي اللذان أصبحا عائلتي الجديدة " فيلد و رينا " ، تشاركنا مشروعنا الأوّل ، وزاد حبي للمجال أكثر ف أكثر ، لم أتوقع تقدّمي الشديد هذا كما دُهش مثلي باقي الأصدقاء ورئيس عملنا أيضاً ، استقرّت سيولتي ، وحان وقت مغادرة تلك الغابة و أودّعها بعدما احتضنتني في وقت ٍ لم أستطع احتضان نفسي به ، جالت في بالي فكرة ترك كامل أشيائي هنا حيث توقعت عودتي الى هنا يوماً ما ، فالحياة لا ترحم ووجدت من هذا المكان ملجأي الخاصة ، غادرت و تركت جزءاً من قلبي هناك ..
وهكذا دارت بي الأيام ، وتقلّبت الظروف ، وتحسّنت أيامي ، وأصبحتُ شخصاً أذكى وأقوى ، تشكّل فيلق X ، وبدأت مهماتي به ، و بكوني قائدةً لهذا الفيلق زادت ثقتي بنفسي ،
وعدت لرؤية عمي كيرل بضع أيام خلال الشهر ، واختفى جيمس نهائياً من حياتي حتى نسيت أمر وجوده ، تطوّر فيلقنا بالأخص بعد عودة صديق طفولتي الوحيد " برايم " الذي بفضله انتقل فيلقنا نقلة نوعية لم يكن باستطاعة أحدنا أن يتخيّلها ..
.
.
.
.
~ عودة للحاضر ~
أميسا وهي تحاول كفكفة دموعها : يا لها من قصة ! أشعرُ بقوّةٍ الآن ، أشعر أنني بإمكاني تجاوز هذا ، لقد مررت في حياتي بما هو أسوء ، هذا المكان بالتحديد .. هو سرُّ أسراري ..
لقد ذكرني بحقيقة حياتي بعدما كدتُ أنساها ، لن أتزلزل فقط لعودة جيمس فجأة لحياتي ، لن أجعله يسيطر علي ثانيةً ، لن أجعله يسلب مني حياتي ..