View in Telegram
"عوّاد" . الهدوء في ذلك المصلّى بعد انقضاء الفجر هدوء مزعج، من شدته له صوت في الآذان يشبه الصرير، ولا شيء سوى حبّات مسبحةٍ تصطك ببعضها واحدة تلوَ الأخرى ليقطع صوتها ذلك السكون بشكل ما. تلك الطقطقة المتنسّكة لم تكن صادرة عن مسبحة صوفي، ولم تكُ تلكَ التمتمات الربّانية معهودة لدى جماعة المسجد. لم يتعرّف على "عوّاد" إلا مسنٌّ لازم الصف الأول على كرسيه منذ عقدين، أيّام كان "عوّاد" يصحب أباه إلى المصلّى. يعبث "عوّاد" بسبحته منغمسًا في التفكير أكثر من التسبيح، وتملأ زقزقة العصافير المكان تزامنًا مع ضوء الشمس. تقتحم شرود "عوّاد" تربيتة حانية، يدٌ كهلة يعرفها جيدًا حطت على كتفه برفق، يد العم "محسن". «نوّر المصلى يا عوّاد! - أستغفر الله، بيت الله دائم النور..» ثم قام من فوره وسلّم على يدِ العم "محسن"، الذي لم يقوَ على منعه من تقبيلها هذه المرة. «أكنت مسافرًا؟ - لا أدري إن كان يسمّى سفرا، كنت تائها في دنيا الله يا عم.. ضاحكًا بوقار: الحمدلله على السلامة، من يومك عوّاد يا ولدي.» انصرفَ العم "محسن" وقد طربَ "عوّاد" لتلاعبه الأخير بالكلمات. انشرح صدره وتهللت أساريره، ثم دون سابق إنذار، انتبه لعينِه وهي تدمع، وحرّ الدمع يسري على خدّه. تذكّر الكثير: استناده على ذاك العمود بهمومٍ كالجبال ثقال داعيًا ومبتهلا، دمعة الفرح التي سكبها في تلك الزاوية بعد أن أجيبت دعواته، تحلّقه وزملائه هناك لمراجعة القرآن. والكثيرَ مما أحزنه تذكّره، وتبدّل حاله عنه. ثم ذكر كلمة العم "محسن" الأخيرة، تذكّر أنه "عوّاد" وأنه أعاد طرقَ بابِ الكريم مرة أخرى. الكريمِ الذي هو أشد فرحًا بعودته {من أحدكم بضالّته، إذا وجدها}؛ فأتمَّ أذكاره وخرج مغتبطا.
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily