القصـــــــــــــــــة بعنوان القبر الملعون:
تعتبر من ضمن قصص جن الأكثر رعبا وغرابة في آن واحد…
كل منا يعلم أن أكثر الأشياء التي نهابها ونخشاها هي القبور ولاسيما عندما يحل الظلام، حيث تجدها قابعة ساكنة في هدوء مريب، من يدخلها يشعر وكأن روحه باتت معلقة ويتأثر بكل ما يحدث بداخلها حتى وإن كانت نسمة خفيفة من الهواء!
إن القبور قادرة على الدوام على إثارة الرعب داخل النفوس والفزع الأكبر، ولا أحد منا يمكنه أن ينكر أنها تثير التوتر والأكثر قلقا من كل ذلك أنها تزيد من فضول الواحد منا بدرجة من الممكن أن تكون سببا في أذى كبير يلحق به.
يحكي ويقول…
حدثت معي بالفعل منذ فترة زمنية بعيدة تتجاوز الخمسة عشر عاما، يومها رحل عنا والدي رحمه الله وتغمده برحمته، ذهبنا للمقابر والتي كانت بعيدة للغاية عن مساكننا وكانت بمكان منعزل بالجبال، كنت ممن ذهب للمقابر للدفن وتوديع والدي، وبعد الانتهاء من الدفن وكل شيء عاد الجميع باستثنائي!
على الرغم من محاولاتهم الجادة في عودتي برفقتهم إلا إنني أبيت ذلك وآثرت البقاء بجانب والدي، مكثت أقرأ بجواره القرآن الكريم، أبي كان أحب الأشخاص إلى قلبي فطوال حياتي كان يغمرني بالحب، لقد كان بمثابة الصديق الصدوق والأب الحكيم الحنون في نفس الوقت؛ لم أتحمل صدمة رحيله ولم أتحمل فكرة بقائه وحيدا بعيدا عني تحت التراب.
كنت حينها لازلت صغيرا في السن، وأول حالة وفاة تمر علي بحياتي، أتذكر أن عقلي حينها وكأن خطبا ما أصابه لم يستوعب ما حدث، أما عن عيني فالدموع لم تجف بها ولا للحظة واحدة، أتذكر يومها أن حالتي كان يرثى لها.
كل من بعائلتي حاول إقناعي بالعودة معهم، ومنهم من حاول أن يؤنسني ويظل معي ولكني رفضت ذلك بشدة، وكانت كلماتهم المتكررة بأنه ليس من الحكمة البقاء وحيدا بالمقابر ولاسيما ليلا والظلام الحالك من حولك، كانت تعبيرات وجوههم تزداد رعبا حينما يذكرون بأن المقابر مكان وموضع يهابه الجميع، ويتعجبون ويستنكرون من موقفي برغبتي بالبقاء ووحيدا بها وليلا!
ومع إصراري على عودتهم بقيت بمفردي بجوار قبر والدي رحمه الله أقرأ ما حفظت من القرآن الكريم وكان كل الفضل في ذلك يرجع إليه، فقد كان على الدوام يحثني ويشجعني على حفظ القرآن الكريم كاملا؛ وفجأة بينما كنت أقرأ والدموع تسيل من عيني من شدة ألم الفراق سمعت صوتا يصدر من داخل القبر، اقتربت ولازلت أقترب حتى جعلت أذني على القبر نفسه!
أيعقل أن يكون صوت أبي؟!
صرخت مناديا على حارس المقبرة، والذي لم يقصر معي فأتاني مهرولا، سألته برعب ملموس بنبرة صوتي عما إذا كان يسمع صوتا مثلما أسمع؟!، فأجابني وقد ظهر عليه القلق علي بأنه لا يسمع شيئا ولم يتركني وحيدا وأخذني وأوصلني حتى المنزل.
كنت متيقنا بأنني سمعت صوتا من قبر والدي، صوتا كان أشبه بصوت الصراخ وكأن شخصا يستغيث، عندما عدت ذهبت لعمي وسألته هل فعلا مات أبي يا عمي؟!، وهل تأكدتم بأنه كمات فعليا فلربما دخل في غيبوبة وأنزلناه قبرا معتما، ماذا لو دفناه حيا يا عمي؟!
اندهش عمي من حديثي وأخبرني بأن والدي تعرض لحادث، وعلى الرغم من إنعاشه ودخوله لأكثر من عملية جراحية إلا إنه لم يستعيد وعيه، ومكث قرابة الشهر الكامل فاقدا لوعيه، ويوم رحيله عن الحياة توقف قلبه ومخه وجميع وظائف جسده عن العمل، فكيف يعقل أن ندفنه حيا؟!
شيئا ما بداخلي يخبرني بأن أبي لازال على قيد الحياة، وأن هذه الصرخات صرخات استغاثة منه، لذا باليوم التالي ذهبت للمقبرة ومكثت هناك أقرأ القرآن وأدعو له الله سبحانه وتعالى أن يرحمه ويغفر له حتى حل الظلام ولم أنتبه لذلك، انتبهت حينما سمعت نفس الصرخات فاقتربت من مصدر الصوت ولازلت أقترب حتى فوجئت بأن الصوت مصدره المقبرة التي بجوار قبر والدي، حاولت أن أقرأ المكتوب على القبر ولمن، ففوجئت باسم محذوف بطريقة عجيبة.
هرعت لحارس المقبرة وأعطيته وصف المقبرة وطريقة حذف الاسم المكتوب عليها، سألته لمن تعود ومتى دفن صاحبها، اعترفت له عن مدى صعوبة الأصوات التي سمعتها على يومين متتاليين من هذه المقبرة المريبة.
وكانت إجابة حارس المقابر كالصاعقة التي حلت بقلبي، لقد أخبرني قائلا: “يا بني ألم أحذرك من البقاء وحيدا بالمقابر ولاسيما عند حلول الظلام؟!، يا بني لا تتدخل في عالمهم فعالمهم ليس كعالمنا، وعلى الرغم من كل ذلك إلا إني سأخبرك وسأبرد نيران قلبك، هذه المقبرة تعود لسيدة عجوز وقد كانت في محياها ساحرة مشعوذة لا تجيد شيئا بحياتها إلا الأذى والضرر والتعامل مع خدام الجن الأشرار؛ ومنذ أن دفنت يا بني وعلى الدوام لا أسمع إلا أصوات صرخات مخيفة للغاية ولكني لم أتدخل نهائيا، واسمها حذفه بهذه الطريقة التي رأيتها امرئ ممن آذتهم بحياتها”.
رحلت عن المقابر ولم أعود إليها من حينها، والأغرب من كل ذلك أن أصوات العجوز لاتزال تلاحقني بين الحين والآخر حتى يومنا هذا.