مرحبا طبيبة الروح، بينما أنت جالسة تمشطين الأمال الجديدة، تبتسمين في وجوه الصباحات الزاهية، تعزفين الوقت على كمنجات الطمأنينة، تنشرين الحب على ضفاف الأماكن، تنتقين أغنيات الوجد بعناية، تغسلين الأماني من وجه النهار، تتقاسم هذا القلب تلك الخيبات اللاذعة، خيبات تكونها ذات قلقة لم تمنحها الحياة حقا كاف من السكينة، أو لعلها سلبت منها هيئة العيش بسلام، شجرة الأفكار في رأسي تتسلق أغصانها أحزان عبثية مزعجة، دائما ما تحاول إفساد ثمارها كلما اقتربت من النضج، ثمة عجز كبير يضللها، يحجب عنها ضوء الحقيقة وحرارة البلوغ، ذلك البلوغ الضارب في عمق السماء، هناك جانب يحاول استمالة الروح ليضع الموازين بالقسط، وأخرى تواربها الغريزة لتسترق السمع من خلال آذان الشك المذعنة لمفاتن الطبيعة وملذاتها المغرية، لست أنا بالطبع من يقع بينهما كما يدور في خلدك الآن، إنما هي ذات أخرى غريبة عني كل الغرابة، تؤلفها يد القلق، وتبني حشاشتها ذات وعي جسيم، تسمو بوجودها سامقة تصافح يد المستحيل، تكسوها دهشة التفاصيل، لا شيء يمكن أن يهد صمتها ذلك الصمت الذي يمكن له أن يقف أمام كل معضلة كلامية تُقلق سكينة الروح أو تعبث بهيئة المقام، وثمة صمت آخر تغذيه أنغام الموسيقى العذبه، نوتات تشرح وقائع أسطورية تسطرها يد المعاناة، تعكس صورة لصراع خالد يمزق أحشاء الحب، ويدس السم في أحجية تلك المعجزات التي تناقلتها ألسنة الزمان بعين الدهشة والتمرد، لا شيء في هذه الحياة يمكن له أن يولد مساحة عقلانية خالصة دون أن يخالط ترابها ذرات من الجنون كي تكسبها القدرة على مصافحة السماء، سماء الرضى والقبول يتسع لكل خطيئة يمكن لها أن تشعل فتيل تلك التناقضات و تقوّض الوقت لأن تنشأ فيه غريزة الخلافات الفكرية التي من شأنها تستوطن الفراغ، فراغ منهجي تقضيه مشيئة النوع الذي بدوره يبحث في أيقونة الوجود عن متاهة أو منحدر مادي يلقي بنفسه من خلاله مع أنه لو أجاد التسلق على الحبال لوجد نفسه يصل إلى ما يرنو إليه خطوة خطوة، دون أن يكلف نفسه الركوب على الضباب. كثيرة هي الصداقات التي خضتها يا أسيل إلا أنها لا تثمر إلا في الضوء، ويجب أن يجليها وضح النهار، لكنها تضمر وتموت حين يغشاها الظلام، تسود تلك العلاقات فقر الشعور، وتعيد نبضها صعقة الحاجة، فجأة تشعر أنك محاط بفقاعة من وهم رسمت ملامحه ابتسامات طفيفة ومواقف بدائية جدا، لا يوجد ما يشعرك بعمق الإنتماء، لأنه وبطبيعة الحال كل ينظر للآخر من منطلق ذا معنى قريب من النهاية، نهاية أي وصال كان عند أي لحظة فارقة، ولأننا لسنا إلا كائنات اعتمادية واهنة كل روابطنا نسعى لأن نخوض كل خيار متاح لدينا دون أن نكترث لفداحة تلك النتائج. أما عنك تروق لي تلك الطريقة التي أعبر بها عن حبي لك، لا يوجد ما يعيق تدفق حروفي الملونة إلى روحك الزجاجية ذات النقاء الخالص، يتراقص المعنى في قلبي ليهبكِ شعورا ثريا، يعبر حواجز الخيال ويطوي المسافات والأزمنة كي يرتب فيك ما بعثره الفراق، أقطع الفيافي المنسية في عمق ليال السكون ركضا إليك، أذوب في لحظات الهدوء التي تخلقها تأملات بديع حسنك، أركن كل المآسي جانبا كلما وجدت سبيلا للقنوت فأنا لا أفوت لمحة تحمل سناك الربيعي إليّ، وحدك أنت وجهتي وبوصلة أحلامي البريئة، وحدك أنت ذاك اليقين الثابت لا يمكن أن تحوره الأماكن أو تُحيّده المسافات، وهنا حب غزير يسيل ويغور عميقا في منحدرات المآقي، يسيح في وديان عشقك ليروي تلك النبوءة التي لطالما كنا نراها بعين البشارة، ذاك السمو الذي أراك به يمنحني تلك البصيرة النافذة إلى روح السلام وبرودة التصرف تجاه كل ما يبدو بطبيعته مبهرا، ذريني وحيدا أصبو إليك بعد كل تلك المهالك، هناك في مجرى ولهي بك أصب شوقي وأبحر فيك دونما خلق أي اعتبار لسحر الغواية، أجوس الديار بحثا عن ملامحك الخبيئة في غضون الذكريات، أفتش عنك بين الغمام، و في زحام الأنام عند الظهيرة، أنقب عنك في الحدائق حيث تسكن تلك الفراشات، لا شيء يعيد لي بهجتي سوى تلك الخيالات، وذلك كونك فكرة غيبية صاغتها يد القدر ثم قال لي : فقط عليك أن تؤمن بأنها ستمثل يوما أمامك تلبس حلة الشمس في الضياء..
أراك سامقة يمكن لك أن تعانقي السحاب رقة وحنان، تصافحين الوجود بكل رحابة ويسر، تستمر الحياة فاغرة أفواه الصباحات احتفاء بدهشتك، رغما عن كل المتاعب يا جميلة إلا أنك تطلين على الحياة من منظور مبهر، تروق لك الثقة بطيبة قلبك في عز اليأس فيزيدك ذلك أناقة وحياة، تركضين في الأزقة حاملة حقيبة جلدية فيها الكثير من الأماني والسرور، تشكلين الفرحة تلك التي هي مزيج ابتساماتك والكثير من الاهتمام ،لا أعلم كيف تصبح مراهم إلا أنك تُمتلكين كيمياء خاصة في الاحتواء، وذلك ما يحولها إلى أدوات شفاء، نظراتك الحنونة، انحنائاتك المتكررة، مواساتك المُرضية، عواطفك البريئة واندفاعاتك المتعاقبة، تخلق آمالا لا يمكن تجاوزها في أقسى صنوف المعاناة،