يغير شيء فيلوذ بصمت عميق لدرجة أنّني أشك بأنه ما زال ينبض ربما ينسى أحيانا أن هذا الجسد المتهالك يعتمد عليه في كل شيء إلا أنه في حضورك ينسى وظيفته الأساسية، ولا يتذكر إلا حينما تأتي إشارة من الدماغ تنتشله من دهشته، فالدماغ كما تعلمين عضو متطفل فهو أحوج إلى القلب من غيره.. أرجوك توقفي عن قراءة الكتب ذات الورود الذابلة والجناحات المكسورة أو تلك التي كُتبت لتحاكي الواقع المؤلم المُعاش، ربما لأنهم كثيرا ما عاشوا تلك المواقف ولم يجدوا وسيلة لتفريغ خيباتهم إلا بالكتابة، فالكتابة يا أسيل لعنة شعورية تتلبس كيانك وتستنزف مواقفك تارة تعظمها وتراة تشيؤها، إنها بمثابة محاولة تصوير الحياة ورسمها بكل تفاصيلها بواسطة ثمانية عشر حرف، ربما ليست بتلك البساطة إنما هي كلمات لا تحصى ومشاعر تقيّدها أغلال تلك الكلمات فتبدو متسلسلة حولها كأنه لا خلاص منها..
القصة مختلفة تماما يا أسيل، حينما أكتب لك أتمنى لو تردين ولو برسالة واحدة تشبع وله الشوق والحنين لحروفك، وتارة أقول كان من الأفضل أنها تبقى حبيسة البريد لا تعود، فأنا بالطبع أعرفك جيدا فالحبيب لابد أن يعرف حبيبه جيدا، أعلم ردة فعلك وأنت تقرأين بلهفة وشوق، تارة تبتسمين وتارة تقطّبين عينيك فينقبض القلب إثر ذلك، حتى إذا ما وجدت ما يسر القلب لا تتمالكين نفسك فتظمين تلك الرسالة لصدرك كما لو أنها وسيلة إنقاذ، تنزل دموع الشوق هاربة من جور الحنين، ثم ما تلبثين حتى تكملين قراءتها كما لو أنّ هذه الحروف البسيطة لامست كل شيء فيك، لا أعلم كم مرة تعيدين قراءتها إلا أنني أعلم أنك تحفضينها عن ظهر قلب، وهذا ما يميّزك عن غيرك يا أسيل، لذا لا أحتاج لرد بالقدر الذي أحتاج فيه للحديث معك دون مواجهة أي صعوبة في الفهم او غموض في الكلام، كلانا يفهم الآخر بكل سهولة ربما لأننا خلقنا لنكون كذلك..