شَعرة مُعاوية
يُقال أن أعرابيًا سأل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: (كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟)، فقال معاوية: (إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها).
تأمل جيدًا فقه التعامل مع الناس على اِختلافِ مشاربهم وعقولهم ونفسياتهم؛ تلك قواعد كلية بليغة لمن أراد سياسة جمع من الناس!
لكن ما أردت الحديث عنه هو العلاقة بين الأزواج. فلو أن هذه كانت حكمة استطاع بها أمير المؤمنين -رضي الله عنه- حكم دولة مترامية الأطراف؛ فكيف بمن يقود بيت ويسوسه؟ كيف يفشل وتلك نصيحة فصيحة له؟
تلك الشعرة لم تنقطع ولم تتراخى؛ لكنها ظلت ممدودة قوية سليمة. فلو أن الأزواج ساروا على ذات النهج، فحين يجد أحدهما أن الآخر قد غضب فأخذه هو باللين، ولو وجده تراخى في مهامه فأخذ على يده بحكمة وفطنة؛ لما زادت رقعة الخلاف والجلاء والفساد في بيوتنا.
ولو أن الرجال علموا متى تكفي النظرة، ومتى يحتاج اللسان، ومتى يجدي العتاب، ومتى يتحتم العقاب! ولو أن النساء فهمن مدلول النظرة والكلمة والعتب والغضب؛ لما احتجنا لقضايا وتخاصم وتناحر، فضلًا عن هدم بيت من أساسه!
الأمر ليس خاصًا بالعلاقة بين الأزواج فقط، ولا بين الحاكم والمحكوم فقط؛ لكن لو اتبع الجميع ذات الحكمة في كل علاقاته؛ لكان الود والرحمة والمحبة هي صفات الأمة وهي حادي العلاقات بين أفرادها.
لكننا وللأسف الشديد أصبحنا نحيا في مجتمعات أسهل شيء لديها هو قطع الحبال جميعًا، وليس تلك الشعرة فقط! فما أن يختلف مسلمان في أمر مهما كان بسيطًا أو حتى تافهًا، إلا ويسارعا في الخصام والقطيعة؛ بل لعل أحدنا خاصم أخاه وهجره لنصيحة نصحه بها! ذلك أن العلاقات بيننا لم تعد في الله ولا لله؛ إنما علاقات نفعية قائمة على مصالح شخصية، فلم يعد بذل الجهد للحفاظ عليها متاحًا، وإنما يحسب الإنسان كل خطوة فيها بما يعود عليها من نفع، فحينما يرى أنها ستسبب له بعض القلق حتى وإن كان في الحق؛ يرمي بها عرض الحائط.
ولو أنها كانت لله؛ لعلم أن الصبر على الأذى في سبيل تعاضد مجتمع مسلم ربما تكون أرجى حسنة له عند الله -عز وجل-، ولكان حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- هو مرشده حين قال: "المسلِمُ إذا كانَ مخالطًا النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ منَ المسلمِ الَّذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم" [أخرجه بن ماجة وأحمد والطبراني والبيهقي والترمذي واللفظ له].
وليكن لنا في أنبياء الله -عز وجل- قدوة وأسوة، فهذا نبي الله يوسف مخاطبًا إخوانه بعد ما فعلوه معه فتأمل قوله: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90].
وبالعودةِ لمطلعِ كلامنا؛ فإن الصبر على إقامة بيت مسلم وبذل الجهد في الحفاظ عليه وتقويمه بما يرضي الله -عز وجل-، هو من أعظم الأعمال في وقتنا الراهن، ولن يكون ذلك إلا ببعض التغافل والكثير من التغافر والتراحم والود؛ فيقيل كل طرف عثرات الطرف الآخر ويغفر زلاته ويكون عونًا له على أمر دنياه وآخرته.
وعلينا أن نصلح نوايانا ونتق الله جميعًا، فهذا ثغر عظيم من ثغور الأمة، سنسأل عنه بين يدي الله عز وجل.
بقلم: سنا برق
٢٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٤ م
#أسنة_الضياء
@AsennatAdiyaa